من فجّر في نيودلهي وتبليسي؟
من فجّر في نيودلهي وتبليسي؟
البناء 20 شباط 2012
محمد شمس الدين
بكلمتين فقط علَّق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على الانفجارين اللذين استهدفا «إسرائيليين» في الهند وجورجيا حيث نفى أية علاقة للحزب بهما، فيما أعاد السيد التأكيد على وعده بـ"الثأر" لكن هذه المرة كشف عن مستوى الأهداف التي يسعى وراءها، وهي خطوة تعتبر متقدمة في الحرب الأمنية التي وافق حزب الله ومقاومته على خوضها بعدما انفتحت على مصراعيها منذ اغتيال "رئيس أركان الحزب (الحاج) عماد مغنية بحسب التعبير الإسرائيلي".
موافقة حزب الله على خوض الحرب الأمنية جاءت يومها نتيجة عاملين أساسيين فرضتهما الظروف التي كانت محيطة، الأول عدم الرد عسكرياً وبشكل واسع حماية لإنجاز حرب الـ 2006، والثاني عدم الانجرار الى ردات فعل غير محسوبة، كان من الممكن أن يكون «الإسرائيليون» قد جهزوا أنفسهم لها وذلك أمر حتمي، حيث ان «إسرائيل» حينما تقدم على عملية اغتيال من هذا النوع وعلى هذا المستوى، ستكون جاهزة لتلقي ردات الفعل المباشرة. لكن الأمين العام السيد نصرالله استدرك وفريقه القيادي وخضع لمنطق العقل البارد بالرغم من ارتفاع حرارة المصيبة، ودخل مع «إسرائيل» في لعبتها، وهم كانوا يعرفون (السيد وفريقه) منذ البداية، أن اختيار هذا المنهج هو اعتماد للطريق الطويلة، وأن ذلك يتطلب صبراً وحنكة والأهم من ذلك الإيمان بالقدرات الذاتية على خوض الحرب الى النهاية.
ما جرى في نيودلهي وتبليسي يؤشر مع نفي السيد الى أن دائرة الحرب الأمنية قد اتسعت، وأن فريقاً آخر دخل على خطها، وإذا صح ما تناقلته وسائل الإعلام عن مشاركة إيرانية فيها فهذا يعني أن الأمور مرشحة للتفاقم، لما هو معروف عن قدرة إيران في خوض هذه الحروب بصبر وتأنّ أيضاَ، وهي تملك ما لا يملكه حزب الله على هذا الصعيد، في حين تردد عبر وسائل الإعلام ما رجحته مصادر متطابقة عن أن العمليتين جاءتا رداً على اغتيال «إسرائيل» للعلماء النوويين الإيرانيين، إلا أنهما تحملان رسائل واضحة لجهة الإصرار الإيراني على خوض الحرب بكل أبعادها في ظل الحصار وتصعيد العقوبات عبر حظر تصدير النفط ووقف التعاملات مع البنك المركزي الإيراني.
وفي هذا السياق، يقول محللون إن حجم العمليتين ليس دليلا كافياً على نجاحهما أو فشلهما، فقد يكون ذلك مقصوداً لغايات لا يعرفها سوى مخططها، إلا أنهما بالتأكيد يتضمنان كمّاً وافراً من المعطيات التي تشير الى أن الأمور بلغت حداً عالياً من التوتر بين الإيرانيين وخصومهم في العالم، إذا سلمنا جدلا بأنهم يقفون وراء التفجيرين، وذلك بموازاة هجوم اقتصادي سياسي معاكس بدأته إيران عبر إطلاق تحذيرات لستّ دول أوروبية بقطع النفط عنها، إذا لم تلتزم بشروط جديدة للعلاقة النفطية معها أهمها أن تكون العقود طويلة الأجل بعد تسديد المستحقات المتوجبة عليها، مع عدم إغفال التحركات العسكرية التي عبّرت عنها بإرسال سفينتين حربيتين الى البحر المتوسط عبر قناة السويس.
اكتفى السيد بنفي المسؤولية وترك الباب مشرعاً أمام البحث والتحليل، لكن التوقيت الذي حصلت فيه العمليتان يثير الكثير من التساؤلات حول الجهة التي تقف وراءهما، وتشير الى أن اختراق الاستنفار الأمني «الإسرائيلي» أمر ليس بالمستحيل، خاصة وأنه يبلغ ذروته خلال العام مع اقتراب ذكرى اغتيال القائد الجهادي في حزب الله، وفي ذلك رسالة بالغة الأهمية حول القدرة على الرد في الزمان والمكان المناسبين.
لكن فرضية أن يكون «الإسرائيليون» أنفسهم من نفذ العمليتين أمر وارد ايضاً فلعل «إسرائيل» هي الكيان الوحيد الذي يستخدم اسلوب الاعتداء على مواطنيه ليبرر أي فعل أمني أو سياسي أو عسكري، ولم تزل حادثة محاولة اغتيال السفير «الإسرائيلي» في لندن عام 1982 شلوم آرغوف والتي اتهمت جماعة ابو نضال الفلسطينية بتنفيذها ماثلة في الأذهان حيث بررت «إسرائيل» حرباً بأمّها وأبيها على الفلسطينيين في لبنان في تلك السنة، الأمر الذي خلق مسارات سياسية جديدة. ويتساءل المحللون في هذا السياق عن مصلحة إيران في تعكير علاقاتها مع الهند مثلاً، وهي الدولة التي وقفت ضد قرار حظر استيراد النفط منها، في حين انها بقيت من المساحات القليلة خارج الضغط الدولي على طهران، بينما المصلحة «الإسرائيلية» واضحة في توجيه الرأي العام لزيادة الضغوط على الجمهورية الإسلامية تحت عنوان الإرهاب، إذ أن التذرع بمنطق محاربتها تحت العنوان النووي لم ينجح في حشد التأييد لما يريده الكيان الصهيوني من توجيه ضربة عسكرية مباشرة لإيران وبالتالي فشل الدولة العبرية في صنع حرب شاملة لا يمكنها خوضها بمفردها كما ليس بمقدور حلفائها من العرب والغربيين دفع هذا الثمن الباهظ لمواكبة تطلعاتها.
تعليقات