الأزمة.. من سورية الى لبنان
الأزمة.. من سورية الى لبنان
البناء 13 شباط 2012
محمد شمس الدين
الانفجاران اللذان هزا مدينة حلب السورية يوم الجمعة الماضي أشّرا الى انعطاف الأزمة في سورية باتجاه جديد قد يفتحها على مزيد من التدخلات بعدما تزامنا مع أمرين أساسيين:
الأول: ميداني عبّر عنه قرار الحكومة السورية بالذهاب نحو الحسم العسكري للقضاء على المسلحين وما عاثوه من فوضى وأذية للشعب السوري ولاستقرار البلد، وهو ما بدأ يؤتي أُكُله خلال اسبوع واحد من بدء الحملة العسكرية في مناطق التوتر إن في أرياف دمشق، أم في الأحياء الخارجة على القانون في مدينتي حمص وإدلب، الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً على الجماعات المسلحة وما يسمى بـ"الجيش السوري الحر"، ما اضطرهم للتوجه الى حلب أكثر المدن استقراراً من الناحيتين السياسية والاقتصادية وتالياً الأمنية والضرب فيها بواسطة السيارات المفخخة.
الثاني: سياسي، فبعد فشل محاولات المسلحين ومشاريع القرارات العربية – الغربية في تدويل الأزمة في سورية، صمدت حكومتها حتى الآن في ردعهم ونجحت في جعل أزمتها دولية لكن على طريقتها وضمن معادلات ثابتة أظهرت سورية من خلالها أهمية موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وموقفها السياسي المنسجم مع الدور الوازن والمتوازن في الساحتين الدولية والإقليمية، حيث استطاعت أن تحصد فيتو "الحرب الروسي"، والآخر "الاقتصادي الصيني" لتضع العالم بأسره أمام واقع جديد من التحالفات.
في الوقائع الميدانية، أكدت مصادر مطلعة على حادثة الانفجارين في حلب أنهما ناجمين عن سيارتين ركنتا بالقرب من المركزين الأمنيين في المدينة، و قد دلّت التحقيقات على أنهما وصلتا الى هناك عن طريق بعض الأشخاص الذين استغلوا صداقتهم مع بعض العناصر الأمنية، وألقي القبض عليهم لاحقاً، لتشير المصادر نفسها، الى أن ذهاب ما يسمى بـ"قائد الجيش السوري الحر" الى تبني العملية التي شدد على انها "هجوم مسلح" وليس تفجيراً، قد أظهر مدى الإرباك الذي وقع فيه المسلحون وقائدهم، إذ حاول العقيد رياض الأسعد أن يصرف النظر عن طبيعة الحادثة عبر تشتيت الرأي العام وتوجيهه باتجاه رأيه، لأنه يعلم حجم ومدى ردة الفعل عليه وعلى مسلحيه في حلب التي سارعت بدورها الى إدانة هذا الإجرام ودعت السلطات الأمنية لتوفير الحماية للمدينة وسكانها.
إن انفجاري حلب هدفا الى رفع الضغط العسكري الذي مارسته قوات الجيش السوري عبر توسيع رقعة الفلتان الأمني، وتربط المصادر بين ما جرى في تلك المدينة شرق سورية، وما يجري في طرابلس في شمال لبنان، وما يحصل من محاولات اعتداء بين الحين والآخر ضد بعض المدنيين السوريين، لتؤكد أن الساحة اللبنانية قد تكون بدأت تدخل في دوامة الأزمة السورية عبر تحريك الأطراف المؤيدة للجماعات السورية المسلحة، جماعتها في لبنان لزعزعة استقراره في منطقة الشمال بما يخدم طرح إقامة منطقة (حظر طيران آمنة) لم تستطع القوى الدولية انشاءها في سورية ما اضطرها وبعد ملاحظة عدم قدرة المعارضة السورية المسلحة على الصمود في مواجهة حسم القوى النظامية، وبحسب تقديراتها ايضا، الى فتح ثغرات جديدة لإطالة عمر الأزمة، وهو ما تتطلبه الخطوات السياسية التي يحاول العرب والغرب سيرها في المرحلة المقبلة.
المواقف الدولية والعربية المتأزمة بسبب الأوضاع في سورية وما أنتجته من "فيتو" روسي يؤشر الى استعداد موسكو الذهاب الى أبعد الحدود حتى ولو كانت حرباً قد تدخل فيها المنطقة برمتها، لا سيما بعدما دخلت تصريحات المسؤولين الروس بجميع مستوياتهم على خط الاعتراض والإدانة والاتهام للأطراف المسلحة في الداخل السوري، واتهامها بارتكاب الجرائم وتحميل المسؤولية لأطراف إقليمية ودولية بدعمها. وعليه فإن المصادر تقول إن لبنان قد يشكل المحور الأساسي لمد الأزمة في سورية وإطالة عمرها بما يتلاءم مع متطلبات الحراك الدولي الذي لا يريد للحسم العسكري أن يضع حداً للوضع في الداخل، لافتة الى ان ذلك الحسم يعني بالنسبة للعرب والغرب تجديداً للعقل الحاكم في سورية وإطالة عمره ما لا يقل عن خمسين عاماً. وفي هذا السياق، تستند المصادر نفسها الى ما قاله لها مصدر دبلوماسي غربي رفيع اعتبر أن "الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد استطاع الاستمرار بحكمه حتى هذه اللحظة بفعل الحسم الذي استخدمه بالتعاطي مع "جماعة الإخوان المسلمين" في ثمانينيات القرن الماضي، وأن الإصلاحات التي يجريها الرئيس بشار الأسد في سورية ليست هي الهدف بالنسبة الى العالم، وهي لن تحقق ما يمكن أن يتحقق بالإنقلاب على الرئيس السوري وحكومته".
تعليقات