مؤتمر تونس.. فشل إجهاض الحسم!
مؤتمر تونس..
فشل إجهاض الحسم!
البناء- 27 شباط 2012
محمد شمس الدين
لم تظهر حتى الآن آثار عملية للمؤتمر الدولي الذي عقد في تونس دعماً للجماعات المسلحة في سورية وسط هرج ومرج ساد الساعات الأخيرة قبيل الانعقاد، سببه عدم الاتفاق على صيغ مقنعة يخرج بها المؤتمر وتوضع موضع التنفيذ فوراً لا سيما قرار تسليح "المعارضة"، على ما عبّر عنه سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الأمر الذي كان من شأنه ـ لو قُيِّض له أن يحصل ـ إعطاء بعض الأمل لجماعات القتل في الداخل حتى يتمكنوا من الصمود لوقت أطول، لكن من دون تحديد المدة الزمنية.. ما أفشل هذا الهدف.
الاعتراف بتشكيلات سورية معارضة على رأسها (المجلس الوطني السوري) لم يضف على خطة العمل الدولية في حربها على سورية ورئيسها وحكومتها شيئاً جديداً، ذلك أن التعامل مع (المجلس) ككيان بديل من الدولة كان قد بدا واضحاً منذ البداية، إلا أن طموح المؤتمر الأكبر كان يتلخص في أمرين تم التمهيد لهما بحملة إعلامية هائلة سبقت انعقاده:
الأول: التوصل الى قرار دولي علني بإرسال السلاح الى جماعات القتل في الداخل السوري، بعدما فشلت اقتراحات التدخل العسكري الدولي أو "شبه الدولي" أو حتى "الإقليمي" عبر بعض دول الخليج، كما فشلت صيغ المراقبين الذين كادوا أن يتحولوا الى مطية لذاك التدخل، وصولا الى عمليات الإمداد بالسلاح والمقاتلين من لبنان وتركيا والعراق ومن جنسيات مختلفة ومن اتجاهات متعددة، منها المرتزق ومنها من يحارب تحت شعارات مذهبية وأخرى طائفية. في حين لم تغب جماعات الانتقام والتشفي عن ساحة الحرب على غرار ما تنطّح له وليد جنبلاط أخيراً بعدما سبقه اليه سعد الحريري مستخدمين لذلك كل الإمكانيات الذاتية في التوظيف السياسي والمالي.
وفي هذا السياق، لا بد من الوقوف عند تصريحات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي التي فاقت في الحقيقة المتوقع، فجنبلاط هذه المرة فعلا "يقامر" بكل ما لديه، فهو يعرف تمام المعرفة أن ما سيلي هذه المرحلة لن يكون مثل ما قبلها لا سيما تحولاته السابقة التي انتقل فيها من معسكر الى آخر بأقل كلفة ممكنة، وهو اليوم يدعو صراحة الى حمل السلاح في وجه الدولة في سورية، بعدما فشل في حث الأهالي في الجولان على القتال الى جانب الجماعات المسلحة، بينما كان خضع لمطالبة بعض الدول التي زارها لا سيما السعودية وفرنسا مقترحاً عليها دعم الجماعات في الداخل بالسلاح، لكنه فوجئ بطلبها منه تحريك انصاره في سورية كحد أدنى، مع عرض الاستعداد لتقديم الدعم تحقيقاً لذلك.
الثاني: وهو "أقل الإيمان" ويتلخص بممارسة الضغط على الحكومة السورية من اجل وقف العملية العسكرية التي بدأتها القوات السورية للقضاء على المسلحين، أو بمعنى آخر عدم تمكين الدولة في سورية من تحقيق "انتصار" عبر الحسم العسكري، لأن لذلك عواقب وخيمة على المشروع السياسي الذي يحمله "مؤتمر تونس" بكامله، ما يفقده كل أمل بوجود اية ثغرة يستطيع من خلالها ممارسة الضغط لاحقاً، فجند، خدمة لهذا الهدف، العديد من الوسائل منها انعقاد المؤتمر بحد ذاته تزامنا مع تحرك لهيئات الإنقاذ الدولية، عبر بيانات انسانية ومقترحات لإيقاف القتال لمدة ساعتين يومياً لتكريس مبدأ التقاتل ومد أمده الى أطول فترة ممكنة، ما يوجب في هذا الإطار إخضاع الجهة التي تقدمت بالاقتراح وهي اللجنة الدولية للصليب الأحمر للاستجواب حول دورها الذي فقد حياده، علماً انها مُكنت من الدخول الى منطقة القتال أكثر من مرة قبل تقديمها اقتراحها.
لم يقتصر الأمر على ممارسة الضغط عبر مؤسسات الإغاثة الدولية بتضخيم الوضع على المستوى الإنساني وتوظيف الإعلام الدولي في الحملة نفسها، بل تعداه الى تحركات سياسية ودبلوماسية على خلفية سقوط ضحايا من الصحافيين الأجانب الذين قالت وزارة الإعلام السورية انهم ليسوا مدرجين على قوائم الوزارة، ما يعني أنهم دخلوا خلسة عبر بوابات عدة لا سيما منها اللبنانية، في حين أن الصحافي الفرنسي جان بيار بيرين الناجي من القصف حيث قتل زميلاه الأسبوع الماضي، قال بعد خروجه الى شمال لبنان: "إن الحصار بات شديدا على بابا عمرو والمركز الإعلامي هناك حيث كنا"، وإن الحي بات آيلا الى السقوط ما يعني أن المعارضة المسلحة في سورية قد انتهت بحسب رأيه. وأضاف ان "بابا عمرو هو آخر معاقل المسلحين".
مصادر مطلعة قالت إن العاصمة الفرنسية باريس قد تلقت "معلومات مزعجة" قبيل انعقاد "مؤتمر تونس"، ما استدعى إعادة سفيرها إريك شوفالييه الى سورية، وتحديداً الى منطقة القتال تحت عنوان إخراج ما تبقى من صحافيين، لكن "المهمة" على ما يبدو كانت أكثر من ذلك، وهي ليست دبلوماسية بل ميدانية بامتياز، وقد تنبري السلطات السورية للإعلان عنها قريباً، ما سيضفي بعداً جديداً على الحرب الدولية الدائرة على سورية منذ ما يقارب العام، الأمر الذي قد يقض مضاجع الرئاسات في أوروبا.
خيار سورية هو الحسم، وهي ماضية فيه الى أبعد الحدود، في وقت لم تنتظر الانتهاء من "الحي" الذي في الجهة الغربية - الجنوبية من مدينة حمص، حتى أدخلت إصلاحاتها السياسية الى حيز التنفيذ، عبر الاستفتاء تحقيقاً لهذا الخيار ومنعاً من إجهاضه.
تعليقات