خطوة "التعريب" على طريق "التدويل"


المبادرة العربية: خطوة
"التعريب" على طريق "التدويل"
البناء 31 تشرين الأول 2011
محمد شمس الدين

مثلما كان متوقّعاً، فإن اللجنة العربية التي انبثقت عن الإجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد مؤخراً في القاهرة، لم تعد الى دمشق، كما سبق وأعلن رئيسها رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ذلك أن ما كان تحدث به يوم اجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد، تنفيذاً لمقررات الإجتماع العربي لبحث الوضع في سورية، قد أوحى بأن الأمور متفق عليها الى ابعد الحدود، لكن الكلام "المنمق" للوزير القطري لم يكن سوى ذرٍ للرماد في العيون، إذ أن ما تريده اللجنة، ومن خلفها المجتمع الدولي و"إسرائيل" ما كان ليقبل به السوريون، كما ان ما طرحته الأخيرة، لا يمكن أن يرضى به زعماء المشروع المناهض، أو المحور الآخر الذي يطلق على نفسه اسم "الإعتدال العربي".

ما أوحى به الزائرون الأسبوع الماضي الى سورية، هو أن يصار بالدرجة الأولى الى وضع جدول زمني لمحادثات خارج سورية، بحجة أن المعارضة لا تطمئن للحوار مع الحكومة على الأراضي السورية، لكن ذلك لم يكن إلاّ من أجل جر دمشق الى الاعتراف ببعض المعارضة التي ارتكبت جرائم فظيعة بحق المواطنين والقوى الأمنية، في حين لم ينف الرئيس السوري الأخطاء التي ارتكبت من قبل الجيش والسلطات الأمنية والعسكرية السورية نتيجة الإرباك الذي حصل بفعل التطوُّر السريع للأحداث والتي كان من المقرر أن يتم التعاطي معها بشكل سلمي، وقد تم الإفساح في المجال لها لتعبِّر عما تريد كما في اكثر الدول تطوراً وديمقراطية، لكن السلطات تفاجأت بحجم ما هو مدبر في ليل للإيقاع بالبلاد في أتون الفتنة التي استطاعت سورية تجاوزها في كل المحطات التي مرت بها، منذ عقود.

انها خطوة التعريب على طريق التدويل للأزمة في سورية، لكن دمشق احبطتها من خلال ابلاغ الوفد العربي بأن الحوار سينطلق ضمن ضوابط سورية ومع أطراف المعارضة التي لم تتلطّخ ايديها بدماء المدنيين والعسكريين. فالصيغة التي حملتها اللجنة الى دمشق، تحت عنوان "مقترحات" هي اقرب الى "الشروط" التي رفضها الرئيس الأسد، وهو ما كان ليقبل بها في أصعب الظروف، التي من المفترض أنه تم تجاوزها، فكيف يقبل بها بعد ذلك.
عاد التصعيد الى سورية خلال اليومين الماضيين في سياق يبدو أنه منسَّق عربياً، في حين لم تحضر لجنة الوزير القطري أمس، كما سبق وأعلن، ومن دون تحديد اي موعد آخر، أو اعطاء اي تفسير أو اعلان بيان حول ذلك، ما يشير الى أن التصعيد الحاصل هو ما ارسلته اللجنة، في رسالة واضحة تتضمن المزيد من الضغوطات في وقت تجاوزت فيه أيضا ما رد به الشعب السوري في مناسبتين رئيستين على المبادرة العربية في دمشق واللاذقية وقبلها في حلب، لكن ذلك لن يمنع الحكومة من الاستمرار بقمع الجماعات المسلحة، تحقيقاً للاستقرار الذي يطالب به الناس على جميع الأراضي السورية.

تكشف مصادر دبلوماسية عربية واكبت تحرك اللجنة وصياغة مبادرتها، ن خطوتها الأسبوع الماضي باتجاه دمشق لم تكن سوى تمهيدية لاتخاذ مزيد من الإجراءات ضد دمشق، ودفع الأمور باتجاه المجتمع الدولي مرة أخرى بعد الإعلان عن فشل اللجنة بما بادرت اليه، وذلك بالتزامن مع رفع نبرة الخطاب الدولي والتجييش الإعلامي لإعطاء صورة سوداوية عن الأوضاع في سورية.

لم تحدّد المصادر الدبلوماسية ما يتوخاه المجتمع الدولي من تكرار المحاولة، إلا أنها لفتت الى أنه ما زال الوقت متاحا أمام ممارسة الضغوط بأعلى مستوياتها، وأن فكرة التدخل العسكري ما زالت قائمة لكنها مؤجلة لأسباب عديدة أهمها ضمان عدم انزلاق الوضع في المنطقة الى منزلقات خطيرة تطيح بما يمكن أن يكون انجازا فيما لو نجح المجتمع الدولي بالحصول على مكاسب من سورية، إن باسقاط النظام أو بالتنازل و"تغيير السلوك" بحسب التعبير الأميركي، الأمر الذي ما زال مطروحا بقوة على ساحة البحث السياسي وفي الأروقة الدبلوماسية.

وفي هذا السياق تقول المصادر نفسها إن ما اعلنه الرئيس السوري في مقابلته الأخيرة مع إحدى الصحف البريطانية من أن التدخل في سورية سيجر المنطقة الى حروب هي النقطة المركزية التي تحاول الدول تجنبها، لا سيما "اسرائيل" التي تمارس ضغوطا كبرى في هذا الشأن خوفا من اندلاع حرب تدفع هي ثمنها. وتتوقّع المصادر بأن يستمر العنف في سورية بانتظار قرارات اميركية حول وجهة التموضع في المنطقة بعد اتمام الانسحاب الأميركي من العراق ومدى فعالية ذلك التموضع في تأهيل القوات الأميركية للعب دور الشرطي بشكل مباشر بعدما اخفق الوكلاء، إذ أن الولايات المتحدة تواجه أكثر في مأزق في الشرق الأوسط ووسط آسيا في ظل اضطراب علاقاتها مع العديد من الأنظمة، وفي وقت لم تضمن فيه بعد مصالحها مع الأنظمة الجديدة التي أفرزتها حركة الشعوب في العالم العربي وبعض دول الشمال الإفريقي، ناهيك عن تزايد الشعور بالقلق الأمني الذي بدأ يدفع بواشنطن الى الحروب الاستباقية على قاعدة أن "خير وسائل الدفاع هو الهجوم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار