من "شلومو آرغوف" الى.. عادل الجبير!
من "شلومو آرغوف" الى.. عادل الجبير!
البناء 12 تشرين الأول 2011
محمد شمس الدين
الأزمة الجديدة التي اندلعت بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على خلفية اتهامها بالتآمر لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير تعيد الى الأذهان محاولة اغتيال السفير "الإسرائيلي" في لندن عام 1982 شلومو ارغوف والتي شكلت ذريعة للدولة العبرية لشن حربها على الفلسطينيين في لبنان بهدف خلق واقع جديد ما زالت ارتداداته شاخصة حتى يومنا هذا.
لم يكن الاتهام الذي اطلقته واشنطن عاديا. بل سيكون استثنائيا وله تداعياته، خصوصاً أن الإدارة الأميركية، وعلى رأسها الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي جعل من هذه القضية في واجهة الحدث الأميركي، بعد ترؤسه اجتماعا للأمن القومي الأميركي هنأ خلاله اجهزة دولته على ما حققته من انجاز في كشف ما أسماها "مؤامرة" لاغتيال السفير السعودي، بادرت ـ الإدارة الأميركية ـ الى الإعلان عن ذلك حتى قبل أن تبلّغ إدارة السفير المعني في بلاده، إذ علمت السعودية بالخبر من وسائل الإعلام الأميركية وما سربته إدارة أوباما لها، محتفظة بباقي السيناريو لتوظيفه في اللحظة المناسبة وفقا للتطورات.
كان من الطبيعي أن تبادر طهران الى نفي الاتهام، وهي كما نشر، استدعت السفير السويسري لديها بصفته راعي المصالح الأميركية في العاصمة الإيرانية، لإبلاغه اعتراضها الشديد على ذلك الاتهام. إلا أن مصادر إيرانية مسؤولة كشفت عن ان ما ارسلته إيران عبر السفير السويسري هو انها جاهزة للمواجهة إذا كان الأميركيون يعتبرون ان "لحظتها" قد حانت وأن الاتهام لن يمر مرور الكرام.
ماذا يعني هذا الموقف وماذا تريد الولايات المتحدة من خلف اطلاق ذلك السيناريو في هذه اللحظة بالذات؟ ما من شك في ان تداعيات الأوضاع في المنطقة كان لها التأثير الكبير في الموقف الأميركي الذي يحاول أن يدفع الى خلق مشكلة كبرى عمادها الاساسي حرب مذهبية وطائفية في منطقة الخليج والعالم العربي، وتحديدا بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية بشكل مباشر، اللتين تقوم بينهما "حرب باردة" منذ أكثر من عقدين، تسخن أحيانا وتفتر احيانا اخرى، إلا أنها استفحلت بعد الحرب التي شنتها "إسرائيل" على لبنان في الـ2006 وكانت نتائجها ملائمة لإعلان محاور اقليمية ادت الى ما أدت اليه من نتائج تعيش المنطقة برمتها ارهاصاتها حتى الآن.
المصادر الإيرانية المسؤولة نفسها قالت إن الولايات المتحدة بدأت تتخذ الإجراءات التي تراها "مناسبة" ردا على فشلها في تأمين استمرارية بقاء قواتها في العراق، بعدما ابلغها المسؤولون هناك بأن لا مجال للتمديد ولو تحت عناوين مختلفة، مثل تدريب القوات العراقية أو حفظ المصالح أو الانسحاب التدريجي خوفا على انهيار الوضع الأمني الذي يكاد يكون منهارا بفعل التفجيرات التي تحصل بوتيرة يومية تقريبا، وهي تصاعدت بعد اعلان العراق انه لن يجدد إبقاء القوات الأميركية على اراضيه. وقد اثبتت التحقيقات العراقية ان تلك التفجيرات مرتبطة مباشرة بجهاز الاستخبارات الأميركية الذي يعمل في العراق، عدا أنه المسؤول المباشر عن عمليات الاغتيال التي تطال بعض الضباط العراقيين السابقين والذين يشكل اغتيالهم سببا لاندلاع فتن مذهبية، ناهيك عن الاعتداء الذي نفذ ضد حافلة تقل زوارا من المسلمين الشيعة كانوا في طريقهم الى سورية ما أدى الى مقتل أكثر من عشرين شخصا منهم.
وتضيف المصادر الإيرانية المسؤولة، ان الوضع في منطقة الخليج يقف على شفير انهيار حاد بعد تمادي سلطات دول الخليج بانتهاك حقوق السكان القاطنين في دولهم وتحت سلطتهم، علما ان الإدارة الاميركية لا تنفك عن التحريض عليهم في دواوين السلاطين وتنبري للدفاع عن حقوق الانسان في المؤسسات ذات العلاقة في اوروبا والأمم المتحدة، الا أن ما وصلت اليه الأمور لم يعد يحتمل المماطلة في حسم معظم الملفات العالقة، ومنها البحرين والسعودية واليمن وسلطنة عمان والإمارات العربية وقطر، في حين أن مشروع الولايات المتحدة في كل من لبنان وسورية قد فشل فشلا ذريعا إن على صعيد تحقيق نتائج من خلال العدوان على لبنان في 2006 أم على صعيد ما كان ينتظر من المحكمة الدولية التي بدأت تنهار هي الاخرى بدورها. ومن الضروري التذكير في هذا السياق بعلاقة المملكة السعودية بهذا الملف وكيف انها كانت جاهزة لتوظيفه مقابل الحصول على مكاسب سياسية في لبنان، وتاليا في المنطقة.
وتشير المصادر الايرانية المسؤولة الى أن الاوضاع في سورية بدأت تتضح صورتها النهائية ولا سيما ان ما أظهره الشعب السوري أمس من تضامن مع حكومته ورئيسه دحض كل ما يروجه الإعلام عن معارضة لم يتم الاعتراف بها حتى الآن لأن العالم الذي دعمها غير قادر على السير بها الى نهاية المطاف، بعدما لمس أنه لا يستطيع الذهاب بعيدا كما فعل في ليبيا واليمن والبحرين وحتى في مصر وتونس.
مؤامرة السفير السعودي في واشنطن واحدة من السيناريوهات الأميركية على الطريقة "الإسرائيلية" لافتعال أحداث ربما لا تنجو المنطقة منها في ظل التجاذب الشديد بين القوى الفاعلة فيها، إلا أن الرهان على حكمة اصحاب الشأن الذين بيدهم الحل والربط في المنطقة وما يختارونه من وجهة يتجهون اليها.
تقول المصادر الإيرانية إنه ربما على الدول المجاورة أن تختبر فعليا قدرة إيران على مواجهة الأخطار. إلا أنه لا بد من تذكيرهذه الدول بأن العالم لم يستطع ثنيها ـ ثني إيران ـ عن متابعة برنامجها النووي للأغراض السلمية، بعد ان استنفد كل ما لديه من عقوبات وضغوطات من دون أن يجرؤ على استخدام القوة المسلحة. فهل هو الآن مستعد لاستخدام "عشيرة الجبير" بعد استخدام "عشيرة آرغوف" لخوض هذه التجربة ؟ لينتظر الجميع الآتي قريبا!
تعليقات