الخط الأحمر في مصير الحكومة


بند "التمويل"..
الخط الأحمر في مصير الحكومة
البناء 10 تشرين1 2011

محمد شمس الدين

لم يصدر بعد أي بيان رسمي عن حزب الله لجهة قضية تمويل المحكمة الدولية المتنازع عليها في وسائل الإعلام بين الجهات السياسية في البلد. في حين أن حزب الله سرّب كلاما منسوبا الى الأمين العام السيد حسن نصرالله يرفض فيه التمويل باعتباره يُدفع لمحكمة أميركية – "اسرائيلية" هدفها اتهام حزب الله زورا بجريمة لم يرتكبها و معاقبته على انجازاته، خصوصاً في وجه "إسرائيل".
الكلام المنقول عن السيد حول الامتناع عن دفع الأموال للمحكمة من خزينة اللبنانيين يبدو واقعيا في ظل الانتهاكات الكبرى التي دأبت المحكمة على الإقدام عليها، وفي ظل تغطية شهود الزور الذين باتوا محميين أكثر فأُبعدوا عن شاشات التلفزة بعد فضيحة جلوس "كبيرهم" محمد زهير الصدّيق مع الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري. وللتذكير فإن الصدّيق كان قد تكلم عن سيناريو اتهام نفذ حرفيا في ما بعد، في وقت تحول فيه "الصدّيق" الى جزء من عملية استخبارية واضحة هدفها لا يتصل ابدا بتحقيق نتائج لكشف قتلة الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، بل لاستخدامها في "تطبيقات" سياسية عجزت الدوائر السياسية والعسكرية لدول كثيرة عن تحقيقها بهدف إجراء تغييرات على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
الخلاف على تمويل المحكمة الدولية في عهد الغالبية النيابية الجديدة التي جاءت بالرئيس الحالي للحكومة نجيب ميقاتي قد يأخذ طابعا حادا في ما لو أصر حزب الله على موقفه من خلال اعلان ذلك بشكل مباشر، ما يعني أن ما قدمه ميقاتي من التزامات امام المجتمع الدولي في الأمم المتحدة أو من خلال اللقاءات الثنائية التي أجراها مع زعماء التقاهم أو عبر السفراء والموفدين الى لبنان، سيؤسس لخلاف علني بين ميقاتي والغالبية النيابية التي سمته لرئاسة الحكومة، ليضعه هذا الخلاف في خانة المنقلب عليها، من خلال الخروج على السياسة التي تنتهجها في معالجة كل الملفات الحساسة التي تتصف بالطابع السياسي المحض، إذ لا خلاف مع ميقاتي حول أي قرارات ادارية أو انتخابية، بينما يعرف رئيس الحكومة جيدا أن ما أتى به الى الحكومة هو الالتزامات السياسية الاستراتيجية التي كانت أساسا للخلاف مع الحكومة التي سبقت، ولم يأت به البرنامج الاقتصادي أو الخطط الخمسية التي وضعها وما الى ذلك من صيغ على غرار ما يحصل في بعض البلدان والأنظمة.
لم تكن "تسريبات" حزب الله وحيدة في ميدان رفض التمويل، بل جاهر بذلك حليفه التيار الوطني الحر على لسان رئيسه العماد ميشال عون في إصرار لافت على الا يكون التمويل من حساب اللبنانيين بل من جيوب من يتحمس له، في اشارة واضحة على بدء "التفكك" الحكومي بالرغم من المناداة بإبعاد شبح انهيارها في الوقت الراهن على الأقل.
مصادر مقربة من الأطراف الرئيسية في الغالبية النيابية التي تتشكل منها الحكومة تقول انه "لا ضير في أن تذهب الحكومة مع الريح، وأن تتحول الى حكومة تصريف أعمال من دون أن نقلق على مستقبل البلاد"، وسط مخاوف من بيعها سرا تحت طاولات الصفقات السياسية والاستثمارية في التجارة والمال والطائفية والمذهبية، فالوضع الراهن لم يعد يحتمل المزيد من التستر والمحاباة، خصوصاً ان الأوضاع الإقليمية غير مستقرة والمشاريع السياسية المرصودة للمنطقة تتابع محاولاتها التموضع بشتى الوسائل ما ينذر بهبوب عواصف عاتية.
وتشير المصادر الى أن تمويل المحكمة هو حلقة في سلسلة الضغوطات التي تُمارَس على لبنان، كما على سورية في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها، بينما البعض يحدوه الأمل أن تتجه سورية الى نصح اللبنانيين بدفع حصتهم بالتمويل رغبة منها في توجيه ذلك كرسالة سياسية الى المجتمع الدولي عنوانها الانفتاح على قراراته وتوجهاته في المنطقة. إلا أن ذلك، وبحسب المصادر نفسها، لا ينسجم مع المسار الذي تسلكه دمشق في التعاطي مع الأحداث، لا في الداخل السوري ولا على مستوى المنطقة. في حين انها تعلم بأن هذا الملف سيطالها لاحقا في حال مررت أي خطوة تتعلق به، وأن لا ضمانات يمكن أن يقدمها المجتمع الدولي الذي يستهدفها ويحاربها بشراسة.
هل يُسقِط تمويلُ المحكمة الحكومة؟ سؤال يطرح بقوة على طاولة المناقشات السياسية حيث يتداخل المعطى الدولي بالإقليمي بالمحلي، ليصبح هذا الأخير عنوانا لأي تحرك أوسع من حجم البلد، في وقت بات الجميع يملك شعورا بأن الحكومة الحالية لها وظيفة سياسية مرحلية تؤديها، من دون أن يعني ذلك أن بابا سيفتح للأطراف التي تنتظر لحظتها لتنقض وتستعيد ما خسرته من مواقع.
لقد لحظ مشروع الموازنة لعام 2012 بند تمويل المحكمة من دون أن يعرف أحد ما إذا كانت الغالبية التي تعارضه راضية عن ذلك، حيث من المتوقع أن يشكل هذا البند مادة خلافية لدى مناقشة الموازنة بما قد يؤدي الى تطيير الحكومة. فالمصادر المقربة من أطراف الغالبية تقول إنه يستحيل عليها القبول بما يحاول ميقاتي حشرها به، وإن كانت التزاماته "السنية" والدولية تفرض عليه ذلك. غير أن ما يحاول رئيس الحكومة الانطلاق منه، هو قناعته بأن حاجة الغالبية إليه ماسة في هذا الظرف الذي قد لا تتوفر فيه شروط تشكيل حكومة جديدة إذا ما انهار الائتلاف الحكومي أو هو استقال تحت ضغط بند التمويل. غير أن على ميقاتي أن يدرك ان شركاءه في السلطة جاهزون للتضحية به وبحكومته إذا ما تخطى الخط الأحمر المرسوم الذي يمر بنقطة تمويل المحكمة الدولية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار