التدخل العسكري في سورية.. خطر!
مباحثات "إسرائيلية" – غربية:
التدخل العسكري في سورية.. خطر!
البناء 24 تشرين الأول 2011
محمد شمس الدين لا يزال وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ وأقرانه في الاتحاد الأوروبي "يستبعدون" الى حد التأكيد تدخلا عسكريا غربيا في سورية على غرار ما حصل في ليبيا، لكنهم يصرون في الوقت نفسه على إعلان رأيهم بأن الرئيس بشار الأسد فقد شرعيته.
هذا ما قاله "هيغ" في رد الكتروني على سؤال صحيفة لبنانية تمنت وتتمنى لو أن جواب وزير الخارجية البريطاني أتى أكثر حسما، وفيه من الأمل بأن يحصل في سورية ما حصل في ليبيا. لكن تلك الصحيفة ومن خلفها حزب سياسي، تضخم حلمهما وكبرت آمالهما، بعدما رأيا ما آلت اليه الأمور في ليبيا من قتل للقذافي فحاولا اسقاط مشاهده على عقولهم في يقظة حالمة، في حين انهما لا يستطيعان أو لا يريدان قراءة الواقع بغض النظر عن تأييده أو رفضه، ذلك الواقع الذي يحكم مسارات الأمور في المنطقة شاء من شاء وأبى من أبى.
لكن السؤال يتمحور حول الأسباب الحقيقية التي تقف خلف إحجام الغرب عن التدخل العسكري المباشر في سورية لإحداث تغيير جذري على الأرض، وفي سرعة قياسية تتيح له التقدم باتجاه استحقاقات مقبلة بيسر. وتلك الأسباب التي يعرفها الغرب جيدا تقول بأن ظروف التدخل في سورية "غير ناضجة"، وهو التعبير الذي تتداوله دوائر وزارات الخارجية الأوروبية عند مناقشتها بأمر مساعدة "المعارضة" السورية، لكن تلك الدوائر لم توضح يوما ماذا تعني بذلك.
انبرت مصادر سياسية أوروبية الى تقديم توضيح حول تلك المسألة، يشير الى أن الغرب غير قادر على التدخل العسكري بالمطلق والسبب المباشر هو حماية "اسرائيل"، إذ ان المعادلة القائمة في المنطقة تقول بأن سورية بقيادة الرئيس بشار الاسد لها من التحالفات ما يكفي لتفجير الموقف في المنطقة، بما يحتم الامتناع عن الدخول في حرب ضد النظام كتلك التي جرت في ليبيا. فالتحالف القائم مع لبنان عبر حزب الله تحت عنوان محور الممانعة من جهة، سيعطي دورا للحزب في التدخل في ما لو قرر الغرب فتح المعركة على سورية، من منطلق رؤية حزب الله لأي محاولة على انها تستهدفه، وبالتالي يرى فيها خدمة لـ"إسرائيل"، وهو ما عبّر عنه في أكثر من مناسبة، ووجود إيران كأحد أطراف المحور الممانع بحسب التعبير المستخدم من قبل تلك الأطراف من جهة ثانية، يؤكد بأن أي تدخل في سورية سيفجّر الموقف بكامله.
وفي هذا السياق، فإن التدخل الإيراني قد لا يتوقف على مساعدة سورية في الداخل أو عبر حزب الله ، وإنما من خلال تحريك الوضع في منطقة الخليج وفي أكثر من دولة عربية، ما يجعل دول "الاعتدال" العربي تطلب بدورها من جهات غربية التريث بشأن قرار تدخل عسكري للناتو في سورية، من دون إجراء حسابات دقيقة لرد الفعل، انطلاقا من شمولية النظرة الى المنطقة، بما في ذلك وضع القوات الأميركية وقواعدها في أكثر من بقعة حساسة.
تشير المصادر السياسية الأوروبية الى ما نقل عن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بأن الحرب المقبلة ستبدأ من تل أبيب، بأنه يوجب التفكير حول أي حرب يقصد بذلك، وما إذا كان التدخل في سورية هو ما يقصده السيد نصرالله، لافتا الى أن مباحثات عسكرية وأمنية متقدمة جرت بين الغرب و"إسرائيل" حول جدوى التدخل في سورية ومحاذيره على "اسرائيل" تحديدا وإمكانية دخولها على الخط من خلال توجيه ضربة عسكرية الى لبنان، في الوقت الذي تقوم فيه قوات حلف شمالي الأطلسي "الناتو" بعمليات عدة داخل سورية بدءاً بالضربات الجوية.
تقول المصادر الأوروبية إن "إسرائيل" رفضت الفكرة بشكل مبدئي لعدم ضمان النتائج، خصوصا وأن معلومات استخباراتها باتت ضئيلة عن حجم القدرة التي صار حزب الله عليها لا سيما في الفترة الأخيرة، مع وجود تأكيدات لديها بأن الحزب لم ينقطع يوما عن التزود بالعتاد والأسلحة المتطورة.
المخاوف "الإسرائيلية" اولا، والعربية ثانيا، من تداعيات التدخل العسكري الغربي كانت دفعت الى بروز فكرة التدخل التركي للاضطلاع بالملف السوري، تارة بالمناشدة السياسية المترافقة مع عمل أمني مستتر يقوم على تسهيل مرور السلاح للزمر المسلحة في سورية، وطورا عبر التهديد والوعيد وتحريك الآلة العسكرية التركية عند الحدود المشتركة لإرسال رسالة باتجاهين: قسمها الأول موجه الى السلطات في دمشق، والثاني لتحفيز الجماعات المسلحة على زيادة تحركها وإمعانها في القتل. في حين كانت أحداث جسر الشغور خير دليل على ذلك، وقد تعاملت معها الأجهزة السورية العسكرية والأمنية بحزم ردت فيه على الرسالة التركية بمثلها.
أما دور الجامعة العربية الذي عبّرت عنه الأسبوع الماضي فلم يكن منفصلا عن سيناريوهات التدخل التي تظهر الواحدة تلو الأخرى فقد كانت الدعوة الى اجتماع طارئ لبحث الأوضاع في سورية نتيجة لفشل الخطوات السابقة، وهي الآن ستباشر التحرك تحت عنوان ما قررته في ذلك الإجتماع، مع علمها المسبق انه لن يؤدي الغرض منه في ظل الشروط التي وضعت، لكن ما يفعله الغرب حاليا هو التستر خلف هذا النوع من التحركات لعدم قدرته على التدخل العسكري.
تلك هي الاسباب الرئيسة التي تمنع العالم من التدخل العسكري المباشر في سورية إذ ان عليه أن يقرر بداية الى أين يريد أن يصل من خلال تدخله ومعه "إسرائيل" والعالم العربي لا سيما دول الخليج منه.
تعليقات