"الفيتو".. سورية في الموازين الدولية
"الفيتو".. سورية في الموازين الدولية
البناء 6 تشرين الأول 2011
محمد شمس الدين "الفيتو" الذي استخدمته كل من الصين وروسيا ضد قرار في مجلس الأمن الدولي لإدانة سورية، يؤشر الى بروز معركة دبلوماسية شديدة في المرحلة المقبلة، على ما يقول مصدر دبلوماسي اوروبي في بيروت، فقد أكد المصدر أنه سبق التصويت اتصالات مكثفة شارك فيها أكثر من مسؤول عربي قدموا الكثير من الإغراءات، شملت عقودا بمليارات الدولارات في مجالات عدة تمنح بشكل أساسي إلى روسيا على أن تأخذ على عاتقها إقناع الصين، بضرورة الموافقة على القرار في رسالة قوية الى الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك كخطوة أولى على طريق إجباره على التنحي عن موقعه.
يشير الدبلوماسي الأوروبي، الى أن روسيا كانت قد ابلغت الولايات المتحدة في فترة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، عدم موافقتها على أي مشروع قرار يمكن أن يتخذه مجلس الأمن ضد سورية، غير أن واشنطن حاولت إقناع الجانب الروسي بأن مشروع القرار إذا ما وافقت عليه موسكو والصين، فإنه لن يتعدى كونه رسالة قوية على ألا يتبعها أي اجراءات تنفيذية تصل الى حد التدخل العسكري على غرار ما جرى في ليبيا.
لم يقتنع الروس ولا الصينيون بما عرضته الولايات المتحدة، إما مباشرة من خلال القنوات الدبلوماسية، او من خلال مجموعة "المحفزات الاقتصادية" التي عرضت عليهما من قبل دول عربية نافذة وقادرة، بسبب ما يقول الدبلوماسي عنه، بأنه سيحدث خللا مؤكدا في ميزان القوى على مستوى الشرق الأوسط برمته، أو حتى على مستوى العالم على ضوء الفرز الجاري في أكثر من نقطة ساخنة، ما قد يقلب الأمور رأسا على عقب. وبالتالي فإن مجموعة المنح الموعودة لن تعوض ما يمكن أن تخسره الدولتان الكبيرتان على الصعيدين السياسي والإقتصادي، عدا عما يمكن أن تؤدي اليه الأمور من مشاكل أمنية ستعرّض استقرار المنطقة لأفدح الأخطار في غياب أنظمة قادرة على حماية الأمن وتشابك المصالح الدولية في المنطقة، لا سيما وأن الدول التي تدعو الى التغيير هي نفسها بحاجة الى ضمانات لاستمرارها وسط الهجمة الداخلية عليها من قبل التطرف الديني على غرار ما يسود في افغانستان وباكستان في وسط آسيا.
يضيف الدبلوماسي الأوروبي المقيم في بيروت، أن روسيا أجرت حسابات دقيقة لموازين القوى، خصوصاً في ظل التحول الكبير الذي طرأ على الموقف التركي، والذي ينذر بهبوب عواصف قوية في المنطقة، وآخرها ما اعلنت عنه من مناورات على الحدود مع سورية، وإن كانت الأطراف الدولية ترى أن تلك المواقف لا تتعدى التهويل في المرحلة الحالية.
من الصعب التكهن بالنتائج المترتبة على هذا النوع من المناورات التي تشهدها المنطقة للمرة الأولى، على قاعدة التوتر والأجواء المحمومة بحسب المصدر نفسه، والذي أشار الى أن سورية لن تسكت لا هي ولا حلفاؤها على أي انتهاكات تمس بسيادتها، او لن تسمح لتلك المناورات أن تكون منفذاً للتدخل في شؤونها الداخلية، في حين أن الموقف التركي يبدو مستندا الى دعم أوروبي وأميركي كما يحظى بتأييد عربي ربما يكون مدخلا لمشكلة كبرى في المنطقة.
السبب الحقيقي الذي يقف خلف الفيتو الروسي – الصيني في هذه المرحلة هو الشعور بأن خطوة واحدة إضافية ستتسبب بكارثة فعلية، إذ انها ستؤدي حكما الى توترات وربما إلى حروب لن يسلم منها العالم نتيجة ارتداداتها الأمنية. وهذا ما يؤدي الى الاستنتاج بأن المناورات التركية ليست سوى "فقاقيع فارغة" الهدف منها رد الاعتبار للمواقف التركية التصعيدية المتكررة، التي صدرت في الآونة الأخيرة وبدت من خلالها أنقرة معنية بالأزمة في سورية أكثر من السوريين انفسهم.
وكشف المصدر الدبلوماسي الأوروبي أن حزمة من المطالب ستنقل مجددا الى دمشق بعد الفيتو الأخير، وذلك ما يسبب الهرج والمرج الذي اعقبه، في محاولة لإيجاد تسوية للأزمة القائمة، والتي صار المجتمع الدولي في وسطها، ما يتطلب التفتيش عن مخارج مناسبة أو مشرّفة إذا جاز التعبير في وقت اعلنت فيه سورية على لسان الرئيس الأسد أن الأزمة فيها قد انتهت، وأن الأمورقد بدأت تعود الى طبيعتها.
يقول المصدر الدبلوماسي الأوروبي بأن التقارير الدبلوماسية التي يجري تداولها بين السفارات في بيروت تؤكد هذا المنحى، مشيرا الى أنه بات من الضروري التعامل مع هذا الواقع، وأن ما خرجت به السفيرة الأميركية في بيروت حول حماية المعارضين السوريين من قبل الجيش اللبناني، إنما هو رسالة مباشرة الى الحكومة اللبنانية تتضمن تحذيرا من مغبة اتخاذ قرارات تعرّض بعض السوريين المقيمين في لبنان للملاحقة، بموجب الاتفاقيات المعقودة بين البلدين، خصوصاً وأن الحكومة الحالية تحرص على تلبية ما تحتاجه تلك الاتفاقيات بما يتناسب مع طبيعة العلاقات التي تربط معظم أطرافها مع العاصمة السورية.
تعليقات