حزب الله.. مراجعة


حزب الله.. مراجعة
ولن يؤخذ على حين غفلة

البناء 29 ايلول 2011
محمد شمس الدين

لم يهدأ حزب الله بعد. فهو مستمر في إعادة صوغ كل أجهزته بعد سلسلة من "الخروقات" أو "الانتهاكات" في سياق حربه المفتوحة مع العدو "الاسرائيلي". كان آخرها ما سرّب عن فرار أحد المتعاملين من صفوفه مع أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية"، في حين نفى الحزب في بيان رسمي ذلك. إلا أن احتمال وجود مثل هذه الحالات بات أمراً ثابتا في عقل الحزب الأمني الذي بدأ بمراجعة كاملة لكل المرحلة الماضية منطلقا من خبرة اكتسبها على مر السنوات الطوال.

لم يبقَ شيء على حاله في الأجهزة جميعها. إجراءات جديدة كليا ونمط متشدد في التعامل مع الكادرات الحزبية من رأس الهرم الى أسفل قاعدته. هذا ما يجب أن يقوم به حزب الله بعد "الفورة" التي عاشها في السنوات التي تلت انتصار حرب تموز 2006 على ما يقول أحد المقربين جدا، والذي هو على اطلاع مباشر على سياق ما يجري من تحديث لعمل كل الأجهزة حتى تلك التي يقال عنها مدنية.

يركِّز حزب الله في هذه الفترة على "تطهير" جسمه من "الشوائب"، وهو بدأ فعليا بإعادة النظر في ملفات المنتسبين اليه في كل المستويات. ويعتبر مسؤولون فيه أن حال الانفلاش التي شهدها الحزب في ضم عدد كبير من العناصر الى صفوفه، قد تكون أحد أهم الأسباب التي تسمح بتسجيل الخروقات التي تحصل بين الفينة والأخرى مع ملاحظة أن عددا من الذين جرى كشفهم والقبض عليهم من المتعاملين مع العدو "الإسرائيلي" قد يعود تاريخ انتسابهم الى أبعد من تاريخ حال الانفلاش الحديثة نسبيا.

ويؤكد المسؤولون انفسهم على أن الخروقات التي حصلت لم يكن لها تأثير مباشر في الأجهزة الحزبية "الحساسة"، وأن المرونة التي يتمتع بها الحزب لا تسمح للعدو بالاستفادة من المعلومات التي تكون قد بلغته، خصوصاً إذا لم يبادر فورا الى البناء عليها، وهذا أمر شبه مستحيل، إذ أن الحزب لا يعمل وفق قاعدة ثابتة واحدة بل هو يتغير ويتبدل باستمرار وفي وقت قياسي، حتى أن بعض العناصر أو الكادرات تتفاجأ مثلا بانتقال مركز ما من منطقة الى أخرى، وأن أوامر العمليات سرعان ما تتبدل بين لحظة وأخرى، ففي حين يسير فيه أحد المكلفين باتجاه تنفيذ مهمته يجد أن هناك من سبقه الى تنفيذها أو ألغيت، لتتجه المهمة في اتجاه آخر.

ليس هذا صعباً ولا مربكاً بحسب المسؤولين المطلعين أنفسهم، إذ أصبح الأمر عاديا لكثرة تكراره، وهو أمر يمكن فعله على أكثر من مستوى، لكن ما يجب الإشارة اليه، هو أن القيادة المركزية تعيش حالاً طبيعية ومستقرة بنسبة عالية ولا يمكن لأي خرق من هنا أو من هناك أن يهزها، فكل ما حصل لم يخرج عن إطار التوقع الذي كانت نتيجته تفادي ما كان يريد العملاء ومن خلفهم أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية" والأميركية الوصول اليه.

المفارقة الكبرى هي في أن الجهاز العسكري للحزب لم يُخرق بأي صورة من الصور بالرغم من أنه الهدف الأساسي والمباشر لعمل أجهزة الاستخبارات، كما أن السلاح الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس ليس موجودا الا في وسائل الإعلام وعلى صفحات الجرائد وفي المنتديات السياسية، وهو يتسبب بإرباك سياسي وأمني للعدو و"الصديق اللدود" في آن. غير أن ذلك "المقدس" لدى حزب الله لا يمكن أن يمسّه أحد لا من خلال التجسس ولا من خلال "الحوار"، فهو مرصود لعمل معين لن يخرج عن إطاره مهما اشتدت الأزمات ومهما بلغت الضغوطات.

ما زال حزب الله يتابع تجهيز نفسه من دون كلل. ويقول مطلعون على هذا الجانب ان عملية تأهيل نفسه لمواجهة العدو لم تنقطع رغم كل الإجراءات التي يتخذها "الكيان الصهيوني"، وانه بات يمكن إطلاق كلمة "ترسانة" بشكل حقيقي على مخزون السلاح لدى حزب الله، مشيرين الى أن الظروف التي مرت بها المنطقة لم تعطل خطوط التسلح، علما أن منظومات سلاح جديدة "نوعا" قد زيدت على هذه الترسانة التي دخلت في الحسابات الإقليمية من الباب الواسع.

عملية "التنقية" الداخلية التي يجريها حزب الله لم تربكه ولم تعطله عن وضع الخطط لمواجهة العدو، والتي يستبعدها في المرحلة الراهنة على الأقل، كما لم تثنه عن تنفيذ المناورات العسكرية والأمنية التي تتجدد بشكل تلقائي و"على السكت" كما يعبر من يشارك فيها، "لأن الحرص واجب ولن نسمح بأن نؤخذ على حين غفلة"، وثانيا لان المقاومة لن تسمح لمعادلة الردع ان تهتز، وهذا هو الطابع الاعمق لاستراتجية المقاومة ضد العدو.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار