بطريرك المقاومة.. وسائر المشرق!
بطريرك المقاومة.. وسائر المشرق!
البناء 26 ايلول 2011
محمد شمس الدين
يستكمل البطريرك بشارة الراعي وضع مداميكه لبناء حالة لبنانية مختلفة عن تلك التي ورثها عن سلفه، بعدما تعرض الكرسي البطريركي على مدى اكثر من عشرين عاما من التضليل السياسي الذي مارسته غير جهة داخلية وخارجية، ناهيك عن دور المال السياسي الذي كان له حيزه في صياغة قرارات الصرح، والذي كان ينقله بشكل دوري ومنتظم أحد المستشارين السياسيين لرئيس الحكومة السابق الذي ورث هذا التقليد عن ابيه رحمه الله.
جولة البطريرك الراعي على المحافظات والمناطق في لبنان سيكون لها بلا شك نتائج ايجابية على تمتين وحدة الصف اللبناني بشكل عام، بخاصة وانها تحمل مضمونا سياسيا يتطابق مع الرأي السياسي لشريحة واسعة من اللبنانيين، وتحديدا منهم حزب الله ومقاومته الذي وجد نفسه مطلقا لمقاومة سياسية ربما هي أشرس من تلك التي واجه فيها العدو الإسرائيلي عام 2006، لأن السلاح الذي يستخدم فيها له مواصفاته الفريدة التي تتعلق بمقاومة الفتن المذهبية والطائفية.
الخطاب الذي يرفعه الراعي علنا لم يختلف عن الكلام الذي يقوله في لقاءاته الخاصة داخل طائفته أو على المستويين السياسي والدبلوماسي، فما سرب عن مجالسه يؤكد ان البطريرك ذاهب ربما الى ابعد مما كان احد يتصور. وعليه فإن مرحلة جديدة ولا شك ستدخلها البلاد وربما المنطقة انطلاقا من الاستراتيجية البطريركية التي يعكسها بطريرك انطاكية وسائر المشرق الجديد من خلال ما يعلنه وما يضمره، فهو على الأرجح قد بدأ بدفع الفواتير السياسية باكرا بعدما اعلنت أو سربت السفارة الأميركية بأن خارجية بلادها تعيد النظر بصلاحية التأشيرة التي منحت للبطريرك الراعي لزيارة أميركا، وبعدما سرب أن رئيس الولايات المتحدة قد "أشاح بنظره" عن لقاء كان مقررا مع البطريرك اثناء زيارة رعوية يعتزم الراعي القيام بها الى بلاد "العم سام" قريبا.
في هذا السياق لا بد من الإشارة الى أن التصرف الأميركي تجاه البطريرك لا ينم عن فطنة في العمل السياسي، ناهيك عن انه تصرف غير لائق بحق شخصية دينية مرموقة بما تمثل على المستوى الكهنوتي في العالم، وما تمثله من رمزية لكل المسيحيين في المشرق العربي، ليتأكد أن الإدارة الأميركية التي قررت شطب هذا المكون الرئيسي في المنطقة من أي دور سياسي هي مصرة على ذلك، وأن نضال المسيحيين يجب أن يتجه لاستعادة هذا الدور الذي يحتاجه المسيحيون والمسلمون على حد سواء في مواجهة حالة التهويد التي بدأها "الإسرائيليون" في فلسطين، متلازمة مع خطوات "صهينة" المنطقة التي تتبناها الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا إضافة الى بعض العرب، انطلاقا من آخر خارطة سياسية وضعتها مراكز الدراسات المتخصصة في أميركا وتبنتها الإدارة في واشنطن منذ ثمانينات القرن الماضي، وهو ما عرف في وقت لاحق بـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد".
لقد ثبت للراعي ايضا أن مخطط اقتلاع المسيحيين من ارضهم يسير بخطى ثابتة وهو ليس ادعاءات أو تخويف ويتهم المسلمون به، وإنما هو إرادة أميركية – أوروبية سمع تفاصيلها على لسان الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي لدى لقائهما مؤخرا في باريس.
ما يقوم به البطريرك الراعي هو فعل مقاومة حقيقي لهذا المشروع التفتيتي. عدا عن أن مواقفه تجاه السلاح الذي تمتلكه المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله تجعله شريكا فعليا في امتلاكه، وهو بنى على ذلك وعكسه من خلال ما سرب عن رده على سفيرة الولايات المتحدة في لبنان مورا كونيللي عندما اعتبر أن النظرة الى "ارهابية" حزب الله هي نظرة تخص الأميركيين، ليشير انه لا يراه على هذا النحو متحدثا عن ضرورة تحرير الأرض من الإحتلال الذي هو سبب مباشر لهذا السلاح والتمسك به.
كان لافتا الخطاب الذي القاه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن البطريرك الراعي وإن لم يسمه في مناسبة قواتية خاصة. في وقت كان فيه الأخير يتابع إطلاق مواقفه من مناطق المقاومة مباشرة وعلى تخوم فلسطين المحتلة، ما يؤكد أن بكركي خرجت من وصاية معراب أولا ومن وصاية المال السياسي ثانيا، وان وصف البطريرك صفير لهذه الأيام بـ"البائسة"، يدل على أن الرياح لا تجري بما تشتهي سفن ذاك الفريق الممتد من بيت سعد الحريري في الوسط التجاري الى مختلف الزواريب السياسية الحليفة، وهو يعكس أيضا ما هي عليه امتداداتهم الدولية والإقليمية بخاصة وان سورية التي سيزورها البطريرك قريبا زيارة رعوية والتي بدأت الاتصالات بشأنها سيحضرها ربما مسيحيو المشرق بملايينهم تأكيدا على سياسة المواجهة والمقاومة التي يحاول الراعي ارساءها.
كانت المقاومة في لبنان والمنطقة تحتاج هذا المقاوم لتكتمل صورتها القومية - العربية ببعديها الإسلامي والمسيحي، عاكسة الهدف الذي تسير باتجاهه وهو تحرير المسجد والكنيسة في فلسطين.
ايها البطريرك سر.. انها البداية.
تعليقات