اعترافات.. دولة تلتزم الحق والمقاومة

البناء 19 ايلول 2011
محمد شمس الدين
اعترافات العميل "الإسرائيلي" في دمشق التي اذاعها التلفزيون السوري قبل يومين والمتعلقة بجريمة اغتيال القائد الجهادي في المقاومة اللبنانية عماد مغنية على يد المخابرات "الإسرائيلية" في شباط 2008، تحمل الكثير من الدلالات السياسية والامنية في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة وتحديدا سورية، بعد الاضطرابات التي شهدتها وما زالت تشهدها، ولكن بوتيرة أخف، منذ اكثر من ستة اشهر على التوالي.

 اهمية إذاعة الاعترافات تنبع من أمرين:

الأول، يتمثل بما تقدمه اعترافات العميل من تأكيدات على أن قضية الشهيد مغنية إنما تجري متابعتها بشكل حثيث ولا مجال للتسويف فيها، ولا سيما أن أنباء روجتها أجهزة إعلامية تحدثت سابقا عن أن هذا الملف صار طي النسيان، بعدما طال انتظار الأخذ بالثأر الذي وعد به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في غير إطلالة له على مدى السنوات الثلاث الماضية. في حين أن ما بثه التلفزيون السوري من اعترافات العميل "الإسرائيلي"، على محدوديتها، قد لا تروي ظمأ المتعطشين لمعرفة ما ستؤول اليه هذه القضية، خصوصاً اولئك المقربين من مغنية في حياته، والذين يعملون بصمت وهدوء على تأمين رد الصاع صاعين، ممسكين بزمام المبادرة في المكان والزمان مهما طال الانتظار.

 يقول العارفون، إن ما بثه التلفزيون من اعترافات هو جزء صغير جدا من مجموع ما أدلى به الجاسوس "الإسرائيلي"، وهو لا يعدو كونه يسلط الأضواء على القضية باعثا برسائل شتى في اتجاهات متعددة، أولها باتجاه "إسرائيل" والولايات المتحدة ـ الشريك الأساسي في هذه العملية ـ عبر جهاز استخباراتها "السي آي إيه"، الذي نفذت العملية لحسابه، عدا عن تحقيق المصلحة "الإسرائيلية" العليا في ذلك، إلا أن هذا الجزء يعتبر كاف لفتح الباب أمام المزيد من كشف المعلومات التي ستطال حكما اجهزة استخبارات عربية ضالعة في التحضير للعملية على مستويات مختلفة، من توفير المعلومات، الى المشاركة في عمليات استطلاع ورصد وضعت جميعها بيد الموساد الذي تولى التنفيذ.. إنه الهدف الأمني من عملية الكشف عن الجاسوس "الإسرائيلي" الى من يهمه الأمر.

 الثاني، يتمثل بما صاغته سورية من رسائل تتعلق بالوضع السياسي الداخلي والخارجي، لتقول إن دمشق قد انهت أو كادت عملية الإمساك بزمام الأمور، وأنه لم يعد من مجال للمراهنة على قلب المعادلات في سورية، وأنها لن تحيد عن مواقفها المبدئية ولا سيما لجهة دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، وأنها لن تتخلى عن انتمائها الى محور الممانعة كان المطلوب من دمشق هو هذا الامر بالذات، وقد قدمت اليها الإغراءات العديدة ومنها رفع الضغوطات عنها، من خلال إصدار الأوامر الى الجماعات المسلحة ليكفّوا شرهم وأذاهم عنها وعن الشعب السوري.

 كان رد دمشق حازما وعلى قدر المسؤولية التي اضطلع بها الرئيس السوري، عندما فتح ابواب الشام أمام لقاء ثلاثي ضمّه والرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في شباط 2010. في حين كان الأمل يحدو الجميع أن تكون تركيا بما كانت تعلنه من توجهات ضد العدو "الإسرائيلي" ضمن هذا المحور، أو على الأقل أن تبقى في مكان بعيد عن التجاذبات إلا أنها آثرت الإنحياز، في وقت ظنت فيه انها قادرة على استعادة دور فقدته الى غير رجعة إلا من زاوية انتمائها الى هذا الشرق، بعيدا عن منظومة المصالح على حساب المبادئ والحقوق.

 ما مثله خروج العميل "الإسرائيلي" باعترافاته من الشام، يعد قمة الإلتزام من سورية في هذه اللحظة الحرجة التي تعيشها، كما يتضمن إعلانا واضحا عن أن القيادة السورية بات لديها الوقت الكافي لإعادة طرح مختلف الملفات، خصوصاً منها ذات البعد المقاوم وهو أمر يؤكده التزام الشعب السوري كل يوم عبر تمسكه بقيادته. نعم الشعب السوري متمسك بقيادته، وما يصوره الإعلام ويبثه ليس سوى افلام مفبركة ومكررة، وحتى أن مراكز حقوق الإنسان المعارضة للحكومة في سورية، لم تعد قادرة على إصدار عشرات البيانات كل يوم على خلفية ما يجري من أحداث كما كانت تفعل في الفترة السابقة، بل اكتفت بإصدار بيان واحد يوميا تجمع فيه عشرات الحوادث عن اسبوع بكامله، وربما أكثر، باعتبار أن من جرح سابقا توفي اليوم.

 مغنية عنوان المقاومة، ليس في لبنان فقط، وإنما في كل الدول العربية والإسلامية.. وبالتأكيد عبر العالم، لما له من رمزية خاصة في الأسلوب والإصرار والتمسك بالحق..

 اعترافات الجاسوس ما هي إلا تعبير عن التزام دولة وشعب بالحق والمقاومة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار