جنبلاط.. نسبية "استنسابية"

جنبلاط.. نسبية "استنسابية"

الإثنين 05 أيلول 2011،  محمد شمس الدين - "البناء"

الحملة التي يقودها رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط على النسبية، فتحت معركة الانتخابات التشريعية المقبلة باكرا. في حين انها تستدعي بعض الملاحظات حول ما افتعله جنبلاط من مشكلة لم يكن أحد يتوقعها، بالرغم من أن النسبية قد لا تلائم بعض المكونات السياسية والطائفية في لبنان. إلا أنها تشكل حجر الزاوية في انتاج نظام لبناني جديد بعيد ولو "نسبيا" عن الطائفية البغيضة التي حكمت وما زالت تحكم لبنان منذ ما قبل نشأته.
يشكل رفض جنبلاط للنسبية مدخلا حقيقيا لبرنامج تفجير الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، الأمر الذي فتح شهية "المعارضة" على تبني اللعب على وتيرة هذا الملف وتوفير المناخ الملائم له، ولجنبلاط مطلق الحملة عليها، والحليف القديم – الجديد لمعادلات تخدم أولوياته ولا سيما الاستمرار في السلطة الطائفية والمذهبية التي تحكم تلك المعادلات قبل وضع الأهداف السياسية، خصوصاً أن الطائفة الدرزية الكريمة بدأت تستوعب آراء جديدة وتفرز شخصيات امتلكت ـ كخطوة أولى ـ التجرؤ على طرح منافستها لوليد جنبلاط على القيادة الدرزية حتى لو لم يكن هناك من تكافؤ، إلا أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة. علما أن بعض القيادات الدرزية تكاد تسير مع جنبلاط جنبا الى جنب في قيادة هذه الطائفة، الصغيرة في حجمها والكبيرة في دورها ربما نتيجة التقاطعات التي تقف عندها في بعض الملفات.
لسان حال جنبلاط يقول، إن من أنتج الحكومة بمنحه أصوات تكتله لها، يمكنه أن يفجرها بالطريقة نفسها إذا لم يحصل على ما يريد، إن من الناحية السياسية في التركيبة اللبنانية المعقدة، أو في حجم ما تدره المحاصصة من أموال على صندوقه الخاص وصندوق الطائفة التي ينتمي اليها.
غير أن اللعب على وتيرة الأحجام سيؤدي حكما الى مشاكل قد لا يستطيع أحد تحملها ولاسيما انها تؤسس الى عودة شبح الحرب في ما بين اللبنانيين الذين باتوا مهيئين لمواجهة هذا الاحتمال بفعل المواقف المتشنجة التي تعلن كل يوم من غير طرف في البلاد، وتتضمن استعادة لشعارات وخطابات الحرب التي عصفت بلبنان على مدار 15 عاما في الربع الأخير من القرن الماضي.
لم يكن ملف الكهرباء الذي يتلطى خلفه جنبلاط هو السبب في رفضه للنسبية، لكي يقايض عليه بل هو المصير الذي يحاول أن يتجنبه من خلال النسبية التي ستذيب حجمه السياسي ضمن أكثريتين طائفيتين اسلامية ومسيحية، وفي هذه الصيغة تطبيق فعلي لما اتفق عليه في مؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان ولم يطبق حتى الآن لأسباب عديدة، في حين أن تطبيق النسبية لن يلغي الطائفية بشكل كامل بل سيفضي الى حكم طائفي ثنائي كما كان الحكم في لبنان دائما، فبعد أن كان سنيا - مارونيا بحسب ما يعرف بـ"الصيغة" التي حكمت منذ 1943، سيصار الى تبديل فيها ليحل الشيعة مكان السنة من بين المسلمين بحكم قوتهم الناخبة، كما سيصار الى تبديل كبير في المواقع المارونية بحكم بروز قوى جديدة على ساحتها تتمثل بالتيار الوطني الحر أو تيار الجنرال ميشال عون وحلفائه من الموارنة المتحالفين مع حزب الله وحركة أمل وبعض القوى السنية الذين يشكلون أيضا منافسا قويا لحزبي الكتائب والقوات اللبنانية المتحالفين من ناحيتهم مع قوى سنية أخرى.
إذن سيصبح الحكم في لبنان شيعيا - مارونيا بعد أن كان سنيا – مارونيا وفق تحالفات سياسية استراتيجية ستحرم دروز وليد جنبلاط دورا أساسيا يبني حجمه وقوته ودوره على أساسه في حسابات درزية – درزية من ناحية ودرزية لبنانية من ناحية ثانية.
ملاحظتان لا بد من إبرازهما تتعلق الأولى بما يدعيه وليد جنبلاط ولا يؤمن به وفي مقدمته "مبدأ" الديمقراطية التي "يطوعها" كيفما يشاء وباستنسابية مطلقة،.. وربما كان "تطويعها" هو ممارسة حقيقية لها.
الملاحظة الثانية تتعلق بإيمانه بقدرته على توظيف "حجم" الدروز الصغير في لبنان والمنطقة بأدوار كبيرة خارج إطار التوافقات التي يعلم جنبلاط جيدا أن خروجه عنها سيستدعي من الأطراف الأخرى التعامل معه بحجم لن يرضاه على الإطلاق. علما أن التوظيف على هذا المستوى لا يخدم أحدا، بل اللجوء الى المواطنة وممارستها ضمن صيغ وطنية واضحة ودائما خارج إطار المحاصصة، هي من تخدم الأحجام الصغيرة والكبيرة في هذا البلد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار