جنبلاط وميقاتي.. ولحظة سياسية حاسمة

جنبلاط وميقاتي.. ولحظة سياسية حاسمة
البناء 15 أيلول 2011
محمد شمس الدين

لم يأت رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط على ذكر حزب الله في اجتماع داخلي لكوادر رئيسية في الحزب التقدمي الاشتراكي، لكنه صب محاضرته السياسية على طيف سياسي حليف لحزب الله، ليحدد من خلال ما طرحه في تحالفاته المبنية على قناعات ما تبدلت، بالرغم مما أشاعه انقلاب الصورة السياسية للحكومة بعد منح اصوات نوابه للأكثرية الحالية.

استهدف جنبلاط في أطروحته امام كوادر حزبه بداية رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون، معتبرا أنه من غير الوارد أن يلتقيا في مكان سياسي واحد، أو ضمن رؤية سياسية متقاربة، بحسب رأي جنبلاط، الذي نقله عنه حزبيون حضروا اللقاء، ذلك أن الأسباب التي طرحها تتصل، ليس فقط بالقناعات، وإنما بشخصية عون الحازمة والحاسمة في قضايا يعتبر جنبلاط انها يجب أن تخضع لمساومات، تكريسا لمبدأ المحاصصة الذي دأب على العمل بموجبه طيلة حياته السياسية.

غير أن جنبلاط الذي رفع شعار "الوسطية" وجد نفسه في "اللامكان"، بعد أن شعر بعدم جدية تحالفاته ضمن الأكثرية الحالية، بالرغم مما قدمه لها في إطار الحكومة الجديدة، وهو إذ توقع أن يحصل على مكافأته، إلا أنه خرج بخفي حنين بعدما لمس ان حلفاءه الجدد غير مستعدين لمنحه شيئا على حساب مصلحة البلد على المستوى الداخلي، وما يتعلق به من مصالح الدولة والناس، أو على مستوى التحالفات الخارجية وما يجري في المنطقة التي يربك وضعها جنبلاط، الأمر الذي عبّر عنه في اجتماعه مع الكوادر، مشيرا الى ان رؤيته "الثاقبة" و"معلوماته" يفضيان الى ان الرئيس السوري بشار الأسد لن يستطيع البقاء في موقعه بعد القرار الدولي بتنحيته، مؤكدا على سقوطه خلال فترة لن تطول.

وعلى قاعدة أن "ناقل الكفر ليس بكافر" فإن جنبلاط يبدو متسقاً في مواقفه مع ما نقل عنه، فهو "متهم" الآن بأنه انعطف من جديد وهو ما عكسته غير وسيلة اعلامية تحدثت عن أن تلك المواقف دفعت سورية الى إغلاق ابوابها في وجهه، وأن حزب الله أيضا ليس متحمسا للقائه، إلا انه يجب التنويه بأن سورية لا تشغل بالها طوال الوقت في ما إذا كان وليد جنبلاط يرغب بزيارتها، وليس من المعقول أن يتفرغ الرئيس السوري للقائه كلما شعر بالقلق أو أحب أن يرفع من مستوى حضوره على الساحتين الداخلية والدولية، كما أن حزب الله الذي يجب ألا يلدغ من الجحر مرتين، ربما عنده ما يكفيه من الشؤون والشجون والمهام ما يجعله غير متفرغ لرصد تقلبات "وليد بك".

يعرف رئيس جبهة النضال الوطني تلك الحقائق، وهو صرح بأنه لم يطلب موعدا لا من سورية ولا من حزب الله، وهو صادق على الارجح في ذلك، غير أنه يعرف ايضا، أن الأمور دخلت في مراحلها النهائية على ضوء ما وصلت اليه الأوضاع في سورية وفي المنطقة ومع المجتمع الدولي، الذي لا بد أن يبادر الى تلقف نتائج إعادة سيطرة الحكومة السورية على الموقف في بلادها، ما يوحي بأن جنبلاط قد أعاد وضع رهاناته، على ما نقل عنه، في مكان لم يبرحه على الأرجح.

ناقل أجواء لقاء الكوادر في الحزب التقدمي الإشتراكي أفاد، أن جنبلاط، وبعد دراسة معمقة للموقف، وجد أنه لا يمكن الاستغناء عن التحالف مع "السنة" في لبنان وتحديدا مع الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، لأن توازنات البلد تقتضي ـ بحسب رأي جنبلاط ـ عودته الى ممارسة نشاطه السياسي من خلال الحكومة أيضا، وهو ما تريده الولايات المتحدة وعدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي ولا سيما فرنسا، اضافة الى بعض الدول العربية، ما يكشف أن عمر الحكومة الحالية قد انتهى من الناحية العملية، وأن ما تبقى لها لم يعد يستأهل "النضال" من أجلها.

وما يعرفه جنبلاط ايضا وربما رئيس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي، أن اطراف الأكثرية الجديدة لم تعد متمسكة بالحكومة لأسباب عديدة، اهمها انها لم تلب حاجتهم السياسية، ولأن إدارتها تحاول الابتعاد عن الحسم المطلوب في كثير من الملفات، وهو ما عبّر عنه العماد ميشال عون. في حين أن تلك الأكثرية غير آبهة بتشكيل حكومة جديدة في المدى المنظور، بغض النظر عن ارتدادات ذلك على المستوى الشعبي الحليف أو النقيض.

ما يتجه اليه جنبلاط لهز الجزء الذي يمسكه من العصا الحكومية، ربما يتجه اليه ميقاتي نفسه لهز جزئه ايضا من أجل تدوير الزوايا بغية الإفلات من شباك الضغوطات العنكبوتية التي تحاصره سياسيا وتحاصر مصالحه الشخصية بأقل كلفة ممكنة، ولعله هو نفسه ما يتجه اليه التيار الوطني الحر وحزب الله، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلافهما على التوقيت، غير أن المسافة بينهما في هذا السياق بدأت تتقلص على الأرجح.

عوامل اقليمية كثيرة دخلت على خط الأزمة في لبنان فرضتها لحظة سياسية واضحة المعالم تقول، إن سورية انتصرت على أزمتها، ما يستدعي مواجهة "التداعيات"، الامر الذي دفع بجنبلاط هذه المرة الى التوجه الى ممارسة "قناعاته" على حساب خوفه.. هذه القناعات التي طالما خسر فيها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار