المشهد يرسمه الميدان وليس.. جنيف
المشهد يرسمه الميدان وليس.. جنيف
البناء 23 كانون الثاني 2014
محمد شمس الدين
لم يخرج تفجير
حارة حريك الأخير عن السياق. فقد شكل في توقيته إعلاناً عن استمرار التمسك بخيار
الحرب السعودية على المنطقة بعد اخفاق المملكة الشديد في إدارة الأزمة وتسجيل
أهداف فيها. فهي أرادت أن ترسل رسالة على ابواب انعقاد جنيف 2 تتضمن موقفها من
خلال أمرين: الأول اعتراضها على توجيه الدعوة إلى إيران للمشاركة في المؤتمر ومن
ثم نجاحها في سحب الدعوة التي كان الأمين العام للأمم المتحدة قد وجهها إليها،
والثاني استباقي لنتائج المؤتمر الذي بدا منذ جلسته الإفتتاحية أمس في مونترو
السويسرية أنه لن يخرج عن الإطار المرسوم له وهو انتزاع الإعتراف المتبادل بين
فريقي النزاع في سورية بما يمثلان من امتدادات إقليمية ودولية عراباها الأساسيان
الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
حتى في الشكل فقد
جلس الصقران الدوليان ووضع كل واحد منهما بجانبه فريقه الذي يتبنى طرحه أو توجهه
السياسي في محاولة لضبط إيقاع المؤتمر على وقع ما يخدم أهداف تم الإتفاق عليها وهي
باتت متأصلة في عقليهما عنوانها الأساسي مكافحة الإرهاب، بعدما خرج هذا الأخير من
"القمقم" ومن دون أن يكون له أية ضوابط. نعم لقد تمرد الإرهاب على سيده
وبات يهدد الجميع الأمر الذي فرض تضافر جهود جماعية لضربه وهو ما لاتستطيع المملكة
السعودية الإعتراض عليه بالرغم من أنها المسؤولة الأولى عن فتح القمقم بلا حسابات.
ما انطلق به مؤتمر
جنيف 2 لن يصل الا إلى تظهير الإعتراف بطرفي النزاع وهو ما أقرته اللقاءات
التمهيدية للمؤتمر السويسري قبل حوالي الشهرين بالتزامن مع لقاءات "جنيف
النووي" الإيراني، وما افرزته مخاطر التهديد الأميركي بشن عدوان عسكري على
سورية سرعان ما فتح باب التقارب الروسي – الأميركي الذي أوصل الأمور الى الإتفاق
على ما يحصل الان في مونترو وغداً وبعده في جنيف ليؤسس لمسار من النقاشات التي من
المفترض أن ترسم خطوطاً عامة لخارطة جديدة للمنطقة.
لكن الرسم أو
الشكل الجديد دونه خطوات عديدة أهمها أن الحرب ستكون الرسام الحقيقي فيها. تلك
الحرب التي تجري في سورية بالدرجة الأولى ولكن ليس فيها وحدها وإنما بامتداداتها
اللبنانية التي تنتج تفجير هنا وقتال هناك مع كل الجهود والمحاولات التي تبذلها الاطراف
المعنية القادرة على استيعاب ما يجري والقفز فوق محاولات التفجير الواسع الذي قد
يفرض مسارات على ما يبدو أن تجنبها هو الأفضل في المرحلة الراهنة.
ما يمكن أن تصل
إليه الأمور في المرحلة المقبلة هو توسيع دائرة المناطق الخاضعة للتوتر ومنها عمق
الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية التي باتت في مواجهة الرياح العاتية
التي ساهمت في هبوبها في كثير من الدول، إلا أن حرارة الحرب التي أشعلتها وتغذيها
في سورية ستبدا بلفحها في ظل المعلومات المتوفرة عن خلافات وانقسامات داخل العائلة
الحاكمة وتشرذمها في معسكرات سياسية متنافرة ناهيك عن حالة الطمع بالثروة والسلطة
التي تضرب كل السلالة الملكية والتي تنعكس تحالفات مع "الشياطين" من
مختلف المستويات. فما يفعله رئيس المخابرات السعودية الأكثر قدرة بحكم ما يملكه من
سلطة وامكانيات وضعت بين يديه على قاعدة خوض الحرب في سورية، ليس وحده اللاعب في
هذا المجال إذ أن عدداً من الامراء من أقربائه قد تورط بعلاقات مع جماعات تكفيرية
يقوم بمدها بالمال "الشرعي" لمحاربة "الكفار" في سورية ولبنان
والعراق، إلا أن بعض هؤلاء يهدف الى حجز مكان له في تركيبة يظن انها ستفرض نفسها
ولو بعد حين في ظل الإنتشار الكثيف للجماعات "التكفيرية" التي تعيث
بالبلاد فساداً وإفساداً.
ما يعكسه مؤتمر
جنيف في نسخته الثانية ليس سوى تثبيت اطراف النزاع حتى إشعار آخر. هذا الإشعار لن
يكون خارج دائرة القتال المرشحة للتصاعد بهدف الحسم إذ لا مجال لاسقاط طرف من الاطراف
إلا بسقوطه ميدانياً ليأتي المؤتمر المذكور محاولاً الحد من خسائر المعارضة التي
لو لم تأت لكانت أعلنت انها غير موجودة في الاصل وهو ما توافق عليه السعودية ولا
يتناسب مع ما تم التوصل إليه بين الفريقين الدوليين الراعيين في اللقاءات
التمهيدية.
تعليقات