حجر الزاوية في "تدوير الزوايا"
حجر الزاوية في "تدوير الزوايا"
البناء 9 كانون الثاني 2014
محمد شمس الدين
تجهد الأطراف
اللبنانية أخيرا للقفز فوق الأزمة المستفحلة في البلاد على عتبة استحقاق انتخاب
رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري المحدد أي قبل موعد إنتهاء
ولاية الرئيس الحالي في أيار المقبل، فقبل شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم
مجلس النواب بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلس لهذا
الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل إنتهاء ولاية الرئيس وذلك
بحسب المادة 73 من الدستور.
وعليه فإن شهري آذار ونيسان هما "الموعودان" لتحديد معالم
المرحلة المقبلة على صعيد المؤسسات الدستورية بكاملها في غياب حكومة لم يجر
الإتفاق حتى اللحظة على تشكيلها ومجلس نيابي شبه معطل قد يأخذ دوره كاملاً بعد
الحراك الأخير لرئيسه نبيه بري في محاولة لاجيتاز عقبة الحكومة تمهيداً لانتخاب
رئيس للجمهورية من خلال ما عبر عنه بـ"تدوير الزوايا". فهو بذلك يحاول التوصل
الى صيغة ترضي جميع الأطراف وتزيل خوف الخائفين وتراعي مصالح الطامعين والطامحين
في الداخل والخارج الإقليمي ولاسيما المملكة العربية السعودية التي تصر على انتزاع
الحكومة لا مشاركة أطرافها بها وحسب، وهو ما رفع هؤلاء الصوت مطالبين به بعد
انفجار بيروت الذي أودى بحياة الوزير الأسبق محمد شطح مستشار رئيس المستقبل سعد
الحريري نهاية العام الماضي.
لكن الصيغ المطروحة بحسب بعض الخبراء ليست جديدة إن في عملية تدوير الصيغة
الأولى التي طرحت على أساس 3 ثمانيات، أو في تلك التي طرحت على أساس 9- 9- 6 ،في
حين أن عملية تدوير الزوايا المطروحة لا يمكن القفز فيها فوق مطلب "الوزير
الملك" أو الثلث الضامن أو المعطل في غياب أي توافق سياسي وسط الإحتراب
القائم في المنطقة وتأثيره الكبير على لبنان والذي ما زال في بداياته.
عملية تدوير أية زوايا في الصيغة الحكومية يبدو أنها لن تنجح ما لم يتم
التوافق إقليمياً على "تحييد لبنان" على أساس الإعتراف بـ"الأمر
الواقع" أو حتى بفرض هذا الأمر دولياً، ذلك أن تشكيل حكومة لا تنال الثقة وغير
متفق على سياستها وبيانها الوزاري ستكون له تداعياته الخطيرة على الأوضاع في
الداخل، وبالتالي فإن عدم وجودها بالأصل والركون الى الحالية بصيغتها وما تقوم به
من تصريف أعمال هو أفضل للبلد من أية حكومة جديدة ستمارس نفس المهام أو ربما ستكون
"عسكرية" ما سيفاقم من خطورة الأمور ويفرض واقعاً لا تستطيع تحمله أية
جهة سياسية، إلا إذا كان المقصود هو "عسكرة لبنان" في هذه المرحلة رداً
على مسألة سلاح حزب الله أو مشاركته في الحرب في سورية وهو ما لن يجد له طريقاً
الى تسوية قد يفكر البعض أنها ستفرض نفسها إذا ما أوصلوا الأمور الى ذروتها من
التصعيد.
ويندرج في هذا السياق ما أعلنه رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن
"المكرمة الملكية" السعودية بتسليح الجيش بما قيمته 3 مليارات دولار قد
يتبعها مليارات أخرى من الإمارات العربية المتحدة، ولو أنها لن تصل بين ليلة وضحاها،
إلا أنها تعزز من فرضية الاشتباك خاصة إذا صح ما سرب من أن تلك المكرمة ستشمل كافة
القوى الأمنية اللبنانية الموزعة ولائياً على كافة الأطراف السياسية في لبنان
ومنها قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات وربما بعض الحزاب والتيارات الطموحة التي
طالما طالبت الاميركيين في فترات سابقة بالسلاح معلنة "عنترياتها"
ومبدية استعدادها لخوض مغامرة تغيير الواقع الذي يعتبرون ان سلاح حزب الله يفرضه.
ما يشير اليه معنيون ان سلاح حزب الله لم ولن يكون له أي دور في الداخل هو بالفعل
لا بالقول ما اثبتته الوقائع طيلة الفترة السابقة، لكن لا يمكن نكران دور هذا
السلاح على المستوى الإقليمي لا سيما في الصراع مع إسرائيل وقد بات له الان دور
إضافي بعد الحوادث التي تشهدها المنطقة في محاربة الإرهاب التكفيري ما يجعل من
التمسك به امراً ملحاً، في حين يطرح السؤال حول أية عملية تسليح مرتقبة والتي قد
لا يكون من السهل ضبطها في ظل الإنقسام الكبير الذي يضرب لبنان والمنطقة التي
تساهم فيه بعض الدول علانية في دعم الجماعات التكفيرية.
حكومة "الأمر الواقع" لا تعبر عن "الواقع" الموجود
الذي تعيشه البلاد، فالمشكلة الحقيقية لدى من يطرح مثل تلك الحكومة هي أنه لا يرى
فعلا موازين القوى على حقيقتها لا محليا ولا إقليمياً وبالتالي هو قرر أن يبيع
موقفاً قبل انتهاء ولايته من حساب لا يملكه، في حين أن أية حكومة لا يمكن أن تقوم
من دون حجر زاوية يدرأ عنها المؤمرات مثل تلك التي جرت في حكومات سابقة.
تعليقات