لبنان: فشل وأزمة مفتوحة على قواعد التغيير


لبنان: فشل وأزمة مفتوحة على قواعد التغيير
البناء 20 أيار 2013

محمد شمس الدين

لم تنجح جميع سيناريوهات الاتفاق على قانون انتخابي جديد، يضمن صحة تمثيل كل  الاطياف اللبنانية. ويُعتبر ذلك بحد ذاته إقراراً بأنّ القوانين التي اعتمدت لا سيما قانون الستين، لم تكن تعكس التمثيل الصحيح لأي من هذه المكونات، فكل مكون يدّعي أنه غير ممثل بشكل كامل وحقيقي في المجلس النيابي، وما يستتبع ذلك من تمثيل في الإدارات والوزارات بل ويعتبر ان التمثيل يلامس حدّ الحرمان.
ما كشفته اجتماعات لجنة التواصل المستحدثة والتي تنمّ أيضاً عن عدم حصول اللقاءات منذ فترة بعيدة بين المتواصلين لـ»مصلحة الشعب اللبناني»، هو أن كل الطرقات المؤدية الى الحدّ الأدنى من التوافق غير متوفرة حالياً، غير أن الإيجابية الوحيدة التي ظهرت ربما هي أن اطرافاً خرجت من الاجتماعات «محبطة» لدرجة أنها رأت للمرة الاولى أن الانقسام في البلد بات «عمودياً» وهو ما أرادت توضيحه للشعب الذي بلغته هذه الحقيقة قبل سعادة النواب بزمن بعيد.
لم يشعر أي طرف لوحده بهذا الإحباط، بل كان هذا شعور الجميع الى درجة أن بعض المتواصلين عبّر عن أنه لمس أن لا وجود لأية قاعدة يمكن الاستناد اليها في بعث أي قانون انتخاب جديد يمكن الاتفاق عليه، ويكون مقدمة لتأسيس البلد على أسس صلبة، ما يعيد الى الأذهان ضرورة إعادة النظر في الاتفاق الأم الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية والذي اصطلح على تسميته باتفاق الطائف بحسب المكان الذي ولد فيه، في حين أن مراجع كثيرة ألمحت الى انه بات من الواجب ولوج مرحلة الحوار في العمق ربما لتدوير الزوايا مرة أخرى، لكن ما حصل في الأسابيع والأيام القليلة الماضية يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن تلك الزوايا ما عادت موجودة لكثرة زواياها، وصار لزاماً على كل المعنيين أكانوا  سياسيين أم احزاباً أومجتمعاً مدنياً، أن يبادروا الى مؤتمر حوار شامل ربما يكون أشمل ممّا تتم الدعوة اليه في سورية، لوضع عقد جديد بين اللبنانيين يعيد انتاج النظام والدولة وفق دستور واضح المباني والمعاني.
وفي هذا السياق، فإن جميع الأطراف تعلم علم اليقين أن الأمور في لبنان قد بلغت هذا المستوى من الحاجة الى التغيير لأن كل شيء قد تغيّر بطبيعته، لكن بقيت المرجعيات المعنية متمسكة بما حققه بعض السياسيين في مؤتمر الحوار الوطني في الطائف الذي جاء وفق الضرورة التي أملتها ظروف المرحلة التي انتج فيها، كذلك حيال ما يتم العمل به حالياً والمرتكز الى ما يعرف باتفاق الدوحة الذي أعقب 7 أيار 2008 والذي بات في خبر كان بعد جملة التطورات التي عصفت بلبنان والمنطقة من ناحية، وبعد اضطلاع المملكة العربية السعودية من جديد بدور كانت قد غابت عنه في لبنان في السنوات الأخيرة من ناحية ثانية، وتحديداً منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وفشل ولده (سعد) الذريع في إدارة الحياة السياسية اللبنانية وما يعنيه ذلك من فشل في التموضع إقليمياً وعربياً.
إلا أن السباق قد بدأ فعلاً بحسب سياسيين مرموقين في اللعبة الداخلية، بين الذهاب الى اتفاق قبل السقوط في «حفرة النار» أو أنها ستكون ممراً إجبارياً لولوجه؟.. هذا هو السؤال الذي يرتسم حالياً مع الأخذ في الاعتبار أن القوى الداخلية ليست مهيأة جميعها لـ»الاحتراب» لأسباب عدة منها عدم وجود تكافؤ بينها او ربما لانها ليست مستعدة بعد، في حين أن عملية إعدادها لن تكون صعبة في ظل الوضع المجهري الذي وضع تحته لبنان على ضوء ما يجري في سورية وما بات عليه الوضع فيه بفعل أزمة النازحين أو حتى في إطار الرؤى الاستراتيجية التي وضعت بدورها على الطاولة لدى أفرقاء الصراع في المنطقة وما يريدونه من تغييرات يمكن أن تطرأ على هذه البقعة أو تلك من المنطقة.
ما تم بحثه في مجلس النواب أو في إطار لجنة التواصل هو هذا فعلاً، الامر الذي منع الاطراف من الاتفاق، ففي حين اصر البعض على ضرورة الذهاب الى اتفاق على قانون انتخابي بعيداً عن التجاذبات الإقليمية، أصر آخرون على أنه لا يمكن فك الارتباط بين ما يجري في المنطقة ومن حولنا وما يمكن أن نكون عليه في المستقبل القريب، حيث يجب مراعاة تكوين الدولة في ظلّ المتغيرات التي تجري.
ما طلبه أصحاب نظرية «النأي بالنفس» لا ينطلق في واقع الحال ممّا تعبّر عنه تلك النظرية، خاصة أنه ثبت بالدليل القاطع تورطهم في الأزمات القائمة في المنطقة ليس من خلال الأزمة السورية فقط، وإنما منذ حرب «إسرائيل» على لبنان في الـ 2006 بهدف ضرب المقاومة التي تشكل جزءاً أساسياً من مكونات هذا البلد. ما يعني أن هؤلاء كان هدفهم القضاء على مكون من مكونات بلدهم، وقد باعوا روحهم للشيطان من أجل القضاء عليه لكنهم لم يفلحوا. وهم يكرّرون المحاولة الآن عبر إيهام أنفسهم ربما والشعب اللبناني بأن النأي بالنفس هو الشعار الذي يستطيع عبور المآزق لكن ذلك قد يكون خطأ مميتاً هذه المرة.
إلا أن الفريق الآخر لا ينطلق في الواقع في رؤيته للأمور من مقولة «الارتباط» بأزمات المنطقة عندما يقول إنه يجب النظر الى ما يجري في المحيطين القريب والبعيد، وإنما من اعتبار انه آن الأوان لإعادة إنتاج الدولة وفق ما تم إنجازه حتى الآن، بعد أن حاول منح الإنجازات والانتصارات الى كل الأطراف اللبنانية لاستثمارها في صوغ بلد بعيد عن الارتهان للخارج والاستغلال في ما يخدم مشاريع المنطقة في مواجهة أطراف بعينها أو محور بعينه، وذلك عبر الارتكاز الى القوة الذاتية من دون أن يعني ذلك دفعها الى مناصرة محور دون آخر، بل على الاقل عدم الانتصار لفريق بفريق وهو ما لم يفهمه أحد.
منذ تسلم «فؤاد بن سنيورة» لمقاليد الحكومة في لبنان بعد «رفيق بن بهاء» وانتقالها إلى «سعد بن رفيق»، عملت الدولة في لبنان على استعداء كل من لم يكن في صف «أمراء» السلطة، في حين أنه لم يكن مطلوباً اكثر من تجنب تلك الحالة التي أوصلت الأمور الى ما هي عليه اليوم، الوقت الذي لم يعد ينفع فيه ما كان صالحاً في ذلك الزمن.
لقد بات البلد أمام أزمة مفتوحة وتمديد حتمي للمجلس النيابي، سمي تقنياً أم غير ذلك، ما يعني أن لا حكومة في الأفق سوى حكومة تصريف أعمال أصلية، وفي أحسن الأحوال حكومة تصريف أعمال بديلة.. إفساحاً المجال أمام توافق من هنا أو من هناك.. من داخل لبنان أو من خارجه.. الأمور مرهونة بإشاراتها الميدانية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار