كيري في موسكو مناورة أميركية وحذر روسيّ


كيري في موسكو مناورة أميركية وحذر روسيّ

البناء 9 أيار 2013
 محمد شمس الدين

التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة السورية، فرضت نفسها على أجندة التحركات الدبلوماسية الأميركية لا سيما باتجاه روسيا التي استقبلت وزير الخارجية جون كيري لبحث كيفية الخروج من «المأزق» الذي بلغ عنق الزجاجة بعد حدثين بارزين، الأول يتمثل بالتقدم الذي أحرزه الجيش السوري ميدانياً في حربه ضد المسلحين، وما يمثلون من تدخل خارجي عربي – غربي، والثاني ما يشكله العدوان «الإسرائيلي» الأخير على أهداف بالقرب من العاصمة دمشق قد يفتح الباب واسعاً على تغيير في قواعد الاشتباك إذا ما تكرّر.
ما خرج به الوزير الأميركي من اجتماعاته مع الروس من اتفاق على عقد مؤتمر دولي آخر شهر أيار الجاري مبدئياً يجمع الحكومة السورية والمعارضة سعياً للحوار بينهما، قد لا يكون أكثر من «فقاعة» الهدف منها إعطاء الفرصة الأخيرة للميدان أو تجميد عمليات الجيش العسكرية وهو الذي يتحضر لدخول مدينة القصير والغوطة الشرقية، اللتين يعتبر سقوطهما بيده والسيطرة عليهما، إعلاناً لخسارة المسلحين ومن خلفهم باعتبار هاتين المنطقتين تشكلان مركز العديد والعتاد للجماعات المسلحة في المناطق السورية كلها التي تشهد قتالاً.
 
ما تقوله مصادر دبلوماسية عن اللقاء الأميركي – الروسي الأخير، هو أن الاتفاق على مؤتمر يضم جميع الأطراف السورية برعاية «القطبين» الدوليين دونه شروط كثيرة تم طرحها منذ بداية الأزمة، ومنها الاعتراف السوري بالطرف أو الأطراف المعارضة التي ستتمثل في المؤتمر، أو بمعنى آخر، من الذي يمثل هذا الجانب ومن يتكلم باسمه؟. ثم من هي المعارضة الحقيقية التي على الحكومة السورية الجلوس في مقابلها؟، مشيرة الى أن وزير الخارجية الأميركي وعد بوضع لائحة بالأطراف التي ستشارك وإطلاع الجانب الروسي عليها من أجل التنسيق حيالها مع الحكومة السورية، علماً بأن هذه الأخيرة قد وضعت سقفاً عالياً شمل الأطراف المعارضة كلها ما عدا أولئك الذين «تلطخت أيديهم بدماء السوريين»، وهو التعبير الذي تم اعتماده لرفض جماعة «أهل النصرة» التي تتسع عباءتها لكثير من الأطراف على الساحة السورية تدعمهم أجهزة مخابرات إقليمية ودولية في مقدمتها التركية والقطرية والفرنسية.
وتضيف المصادر أن القيادة السورية دعت الى الحوار وتتمنى أن يتم التوافق على اطراف المؤتمر سعياً وراء إنهاء الأزمة والحد من سفك الدماء ووقف التدمير الممنهج الذي يتبعه التحالف الغربي ـ العربي والذي تستفيد منه «إسرائيل» بالدرجة الأولى، لكنها لن تكون مستعجلة بعد الإنجازات التي حققها الجيش على الأرض، وبعدما تكشف من خلال المواقف الأخيرة لحلفائها بأنها ليست وحدها وأن المعركة قد دخلت في أفق جديد يحتم عليها المتابعة وعدم النظر الى الوراء مهما تعاظمت التحديات.
لم يكن الأميركيون قلقين من عدم التوصل الى نتائج خلال المحادثات مع الروس، إلا أن الأخيرين احتفظوا بحذرهم من الخطوات الأميركية، خاصة وأنه لم يمض على التزامهم الأخير مع دول المحور الممانع زمناً طويلاً، وهو الأمر الذي عكسته زيارة نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الى بيروت والتي تمخضت عن رعاية تكرست خلالها «ثنائية قطبية» كانت غابت عن منطقة الشرق الأوسط عقوداً ليست بقصيرة.
ترى المصادر في هذا السياق أن الحذر الروسي مع الأميركيين ترافق مع موقف حازم تجاه «الإسرائيليين» الذين سمع رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي من الرئيس فلاديمير بوتين استياء من التصعيد الأخير على خط الحرب في سوريا، عمد «الإسرائيليون» بعده الى تسويق أن نتنياهو بعث خلال ذلك الاتصال برسالة الى السوريين يطمئنهم فيها الى أن «إسرائيل» لا تنوي التدخل في الأزمة الدائرة في سورية، وأن دولته لا تستهدف سوى قوافل السلاح الى حزب الله، لكن الرد الروسي كان واضحاً بأن حتى هذه، قد يكون لها تداعياتها على الموقفين الإقليمي والدولي وأن معالجتها يجب أن تكون من خلال معالجة مجمل فصول الأزمة في المنطقة.
ما برز من الزيارة الأخيرة لـ كيري الى روسيا قد يكون رسم في الأفق خطاً بين مرحلتين وهيأ مخرجاً محتملاً إذا ما صفت النوايا، وفتح الباب واسعاً أمام الاتصالات التي اتفق بشأنها لتهيئة أجواء المؤتمر واطرافه، ولكن ذلك سيحصل على الأرجح وسط أصوات المدافع وقرقعة السلاح لتحسين الشروط. فلا يبدو أن الجيش السوري سيستطيع تجنب الخطوتين اللتين جهز نفسه لسيرهما بانتظار الخلاصات الأميركية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار