سورية.. تدخّل وتدخّل مضاد مرجّح
سورية.. تدخّل وتدخّل مضاد مرجّح
البناء 23 ايار 2013
محمد شمس الدين
سقطت القصير أو تكاد. فهي المهمّة الأساس التي على الجيش السوري أن ينفذها في
هذه المرحلة ليعلن استعادته لزمام المبادرة بشكل فعلي ونهائي. وبالرغم من الأخطاء التي
حصلت في المعركة وما يمكن أن يحصل، إلا أن تقدماً حقيقياً قد سجل للجيش وحلفائه على
أرض الواقع ما انعكس صراخاً من قبل الجماعات المسلحة المهزومة سمعت أصداؤه في غير مكان
في المنطقة، وصولاً الى ما وراء البحار حتى اخترق البيت البيض في واشنطن.
جنّ جنون الإدارة الأميركية التي سارع رئيسها الى إعلاء الصوت أولاً باتجاه
لبنان ناصحاً متوعداً.. لم يكتف بذلك بل انسحب جنونه باتجاه الاتحاد الأوروبي الذي
حاول تهدئة خواطره باقتراح إدراج الجناح العسكري لحزب الله على قائمة المنظمات «الإرهابية»،
لكن ذلك لن يكون كافياً، لأن من اقترح ذلك ويعمل على وضعه موضع التنفيذ، يعلم يقيناً
أن هذا الأمر لن يغيّر في مسار الحرب التي ستستكمل الى نهايتها من قبل طرفي الأزمة
التحالف العربي – الغربي، ومحور المقاومة والممانعة.
يتسع الشق بين المحورين باضطراد. فجميع الأطراف تذهب بالأمور الى أقصى الحدود
وهذا ما يرفع من اسهم التصعيد الدولي ليصل الى حد استحضار فكرة التدخل العسكري المباشر
في الأزمة السورية حيث للميدان الكلمة الفصل. إذ لا يمكن لذاك «التحالف» أن يفرض شروطه
في الوقت الذي يخسر فيه مواقعه الأساسية في حرب اتفق القاصي والداني على أنها ستؤسس
لاستراتيجبات المرحلة المقبلة، وسترسم السياسات للخمسين أو ربما للمئة عام المقبلة.
إنطلاقاً من هذا الواقع كان قرار حزب الله التدخل في الحرب في سورية، وهو الذي
يعلم أكثر من أي طرف آخر مدى خطورة هذه الخطوة وانعكاساتها على الأوضاع في المنطقة،
لكنه على الأرجح قد حسب حساباته بشكل جيد، وعلى ما يقول عارفوه إنه قد حسب للأسوأ،
وأنه على استعداد لخوض المواجهة الى نهايتها مهما اتسعت رقعتها وهو جهز نفسه لذلك قبل
أن يخطو خطوته الأولى التي هي من ضمن مجموعة من الخطوات بدأت في محيط بعض المقامات
الدينية وتوسعت الى بعض القرى على الحدود اللبنانية – السورية، واقتضت حماية تلك القرى
بما فيها التي في الداخل اللبناني التوسع في الانتشار باتجاه مدينة القصير السورية.
لم يعد خافياً أن حزب الله شيّع العديد من عناصره الذين استشهدوا في معركة القصير،
وهذا بحد ذاته لمن يعلم حزب الله جيداً، دليل على أن الحزب يعمل بموجب قرار استراتيجي
وليس تكتيكيا، وعن سابق تصور وتصميم، لأنه يؤمن بأن كل نقطة دم يقدمها هو مسؤول عنها
في المقدمات والنتائج، وعلى هذا الأساس يمكن الاستنتاج بأن الرجوع الى الوراء بات من
سابع المستحيلات.
الى أين يمكن أن تتجه الأمور بعد ذلك؟.. ما هو مؤكد أن عملية القصير ستستمر
الى حين سقوطها بالكامل في ايدي الجيش السوري، مع الأخذ في الاعتبار أن الاستعجال مرفوض
من قبل مخططي هذا الجيش، فالعمليات العسكرية تدار بأعصاب باردة جداً، وكل شيء بات محسوباً
بدقة على أرض الواقع، لكن في النهاية تبقى الأمور مرهونة بنتائجها، علماً أن الحسابات
تشير الى أن الحرب طويلة الأمد.
ما دخل فعلياً على خط الأزمة في سورية، مع دخول حزب الله على خط المعارك الى
جانب حليفه المحوري، هو ارتفاع احتمالات التدخل العسكري الخارجي بالأزمة. وهذا التدخل
يمكن أن يكون «إسرائيلياً» أو عبر «الناتو» أو حتى عبر إعادة ضخ آلاف المقاتلين من
مختلف الدول العربية والإفريقية، أي تفعيل السيناريو الذي اعتمد منذ بدء الأزمة وهو
ما تشرف على تنفيذه غرف العمليات التي تديرها الاستخبارات الفرنسية والتركية والقطرية
والسعودية مع تفعيل دور هذه الأخيرة بعد تموضع المملكة من جديد إثر انكفاء طوعي لاستشراف
أفق الوضع، ولكي تبقي باب الرجوع مفتوحاً لكن ذلك لم ينجح، واضطرها تقهقر الجماعات
المسلحة في الداخل السوري وفشل كل الضغوط السياسية والدبلوماسية لتحقيق أي انجاز يمكن
أن يبنى عليه في التغيير المنشود، الى العودة قبل أن يصل «الموسى الى رقبتها».
يرجّح أن يكون التدخل المتوقع «الوقائي والاختباري»، «أميركي الهوى»، لأن تأثيره
يبقى الأقل، نظراً لحساسية الأطراف الأقرب والتي إذا اقدمت على ذلك فإنها قد تدخل المنطقة
في ما لا تحمد عقباه، فعرب الخليج لا يستطيعون أن يتخذوا نفس الإجراءات التي اتخذوها
في البحرين بواسطة استخدام قوات «درع الجزيرة» السعودية، في حين أن باقي الدول العربية
تتلهى بمشاكلها الداخلية، لا سيما تلك التي تعيش تداعيات «فورات الربيع العربي» وصولاً
الى «إسرائيل» التي باتت تعلم جيداً أن تدخلها لن يجعلها بمنأى عن السقوط في نار متعددة
الفوهات، وهي التي حذّرت «خوفاً» من فتح عدة جبهات دفعة واحدة، ما يعني أنها تعرف أن
كل الدفاعات السياسية ومنها «العلاقات» و»المفاوضات»، إضافة الى الإجراءات الأمنية
والعسكرية التي بنتها خلال السنوات الـ 30 الماضية قد سقطت، وأن التغييرات التي حصلت
في الدول التي كانت تأمن جانبها لم تعد واثقة من قدرتها على القيام بالتزاماتها تجاهها.من القصير تبدأ المسيرة ولن تنتهي في غيرها من المدن، ولكل خطوة ظروفها وحساباتها واستعداداتها قبل طلب العون من البعيد – القريب.
تعليقات