الجولان.. بانتظار الضربة الأولى؟!
الجولان.. بانتظار الضربة الأولى؟!
البناء 13 أيار 2013
محمد شمس الدين
يبدو أنّ الجميع بات منتظراً الضربة الأولى التي سيوجهها حزب الله الى «إسرائيل»
عبر الجولان، إن كان بطريقة مباشرة أو عبر المقاومة الشعبية السورية التي جرى الحديث
عن أنها تتشكل حالياً. لكن الأهم هو ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله
عن جهوزية واستعداد حزب الله والمقاومة الإسلامية لتقديم كل العون للمقاومة في سورية
من أجل خوض معركة تحرير الجولان.
ما عكسه السيّد لم يكن سوى تعبير واقعي عن أنّ جبهة الجولان قد فُتحت على مصراعيها
عبر المقاومة المشروعة، وهو الأمر الذي لن يُعرّض المنطقة لخطر الحرب إلا في حالة انهيار
الأوضاع بشكل كامل، كما لن يّعيدها الى منطق التسويات الذي فرضته الحروب السابقة مع
العرب منذ نشوء الكيان الصهيوني في المنطقة وعلى الأرض الفلسطينية المغتصبة.
ميزة الإعلان الذي أطلقه السيد باسم المقاومة عموماً ووضعه في إطار الردّ السوري
على الاعتداءات الصهيونية، أنه رسم خطاً دقيقاً بين إدخال المنطقة في حرب كبرى على
خلفية قرار فتح جبهة الجولان، والشروع بمقاومة كتلك التي تم خوضها في لبنان على مدى
عقود طويلة جاهدت فيها المقاومة من أمامها ضد العدو «الإسرائيلي» ومن ورائها ضد كل
من حاول إعاقة مسيرتها من القريبين أو البعيدين ومن ضمنهم الدولة اللبنانية صاحبة النظرية
التاريخية التي تتحدث عن الحياد الإيجابي، والتي لا تعني سوى الاستسلام على مستوى هذا
النوع من القضايا والصراعات.
السؤال المطروح هنا هو، هل تُعدّ «إسرائيل» جاهزة لخوض الحرب بمفهومها الواسع
هذه المرة، مع كل ما يعكسه ذلك من تداعيات؟ أم أنها ستقبل الدخول بحرب استنزاف طويلة
تفرض عليها في نهاية الأمر تقديم التنازلات الطائلة؟.. فمحور المقاومة ودول الممانعة
أقل الخاسرين في هذا المنطق.
المفارقة هذه المرة تتلخص بأن الدولة في سورية ستكون راعية للمقاومة وجاهزة
للدفاع عنها وعن أرضها في حال قرّرت «إسرائيل» أن تردّ على أية عملية تنفذ ضد قواتها
في الجولان تحديداً لأنها بكل المقاييس والأعراف الدولية هي أرض محتلة ويمكن التعامل
معها خارج القضية الفلسطينة الأم، وبالتالي كمقدمات موضوعية للعودة الى صيغة الصراع
التقليدية بعدما تمّ تحريف القضية باتجاه عمليات سلام مزيفة غيّرت الأسس التي بُني
عليها ذلك الصراع.
إذن الجميع بانتظار الضربة الأولى التي صارت ملزِمة لمن أطلق الإعلان، وهو يعرف
ذلك تماماً لأنه يعرف مدى تأثير ذلك على مجريات الأوضاع التي يخوضها محوره المقاوم
والممانع في المنطقة برمتها، وربما في العالم الذي يرزح حقيقة تحت تأثيرات ما يعرف
بقضية الشرق الأوسط التي بدأت بالقضية الفلسطينية ولم تعد تنتهي بقضايا أخرى بلغت حدّ
المحرّمات المتمثلة بالصراعات المذهبية التي يحاول الغرب وبعض العرب دفع الأمور باتجاهها.
ماذا يعني توجيه الضربة الأولى إيذاناً بفتح جبهة المقاومة ضد العدو «الإسرائيلي»
المحتل في الجولان؟
في الحقيقة إن أكثر من يمكنه الإجابة على هذا التساؤل هو «إسرائيل» نفسها التي
تحرّكت منذ اللحظة الأولى لاستيعاب الخطاب الذي أطلقه السيد نصرالله، إذ بدأوا يتحرّكون
في كل اتجاه عبر الأروقة الدبلوماسية الأوروبية والأميركية للضغط في سبيل تجنّب تجرّع
هذا الكأس الذي تشير تجربتهم فيه إلى مرورته، وإلى أنهم خاسرون فيه حكماً مهما طال
الزمن، فقد انتصرت المقاومة في لبنان بعد 18 عاماً من الدماء والدموع في المرحلة الأولى
وتوالت انتصارتها بعد ذلك الى اللحظة التي تحوّلت فيها الى لاعب إقليمي في الصراع الأساسي
وباقي القضايا ذات العلاقة أو ربما الملفات الأخرى أيضاً.
لكن ما يعنيه توجيه الضربة الأولى،
إضافة إلى تثبيت مصداقية الإعلان بالدرجة عينها، هو إعلان أن محور الممانعة والمقاومة
هدفه الأساسي فلسطين، وما يعنيه ذلك من «تدخل» في الأزمة السورية بالطريقة التي حصل
فيها حتى الآن، وما يمكن أن يطرأ عليه من «توسعة» تم حسابها بـ»دقة» إذا اشتدّ الضغط
على سورية.
فتح جبهة الجولان لم يكن إعلان السيد نصرالله بمفرده بل سبقه إليه موقف القيادة
السورية، لكن ترجمته العملية لم تكن لتحصل من دون تصدّي سيد المقاومة له، نظراً إلى
الظروف التي واكبت فترة الاحتلال الطويلة التي ساهم فيها العرب بفعل فاعل وهو ما أثبتته
مواقفهم وأعمالهم حيال المقاومة اللبنانية.
الموقف الأخير بشقيه «المتكاملين»، إن على جبهة الجولان او السلاح الكاسر للتوازن،
شكل كسراً حقيقياً للمعادلات ليس فقط على المستوى الأمني والعسكري مع العدو الصهيوني،
وإنما على مستوى السياسة الدولية التي سعت على مدى العقود الماضية إلى القضاء على منطق
المقاومة ومفهومها ومبدئها وإسقاطه لصالح منطق التسويات والسلام المزعوم.
ما يعنيه إعلان فتح جبهة الجولان هو العودة إلى حرب المفاهيم من أجل تصحيحها
وإيقاظ الوعي بعد كيّه، الأمر الذي يدمّر كل ما بناه الصهاينة منذ نشوء دولتهم في فلسطين
المحتلة، لا سيما روح الانهزام والمصلحة والبيع والشراء التي بثوها في جسم العالم العربي.
بانتظار الضربة الأولى «المزلزلة» في الجولان والذي لن يطول، يعرف من يتحضر
ليوجهها، أن دونها عقبات استراتيجية عزم على تخطيها، لتبقى عقبات أخرى عرف أيضاً كيف
يتعامل معها، وفي طليعتها ما شرع العدو «الإسرائيلي» في إنشائه على حدوده.. جدار اسمنتي
وشريط محتل وقوى حليفة من أبناء المنطقة في استعادة لسيناريو ما كان يسمى بـ»جيش لبنان
الجنوبي»، مع إدخال كامل التعديلات على المرحلة الأولى من المواجهة التي انطلقت من
غير رجعة.
تعليقات