أميرّكا ــ سورية: عودة إلى المربّع الأول


أميرّكا ــ سورية: عودة إلى المربّع الأول
البناء 5 تشرين الثاني 2012
محمد شمس الدين  

يظهر جلياً التناقض في موقف الولايات المتحدة الأميركية حيال الأزمة السورية، فبينما تطالعنا وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بكلام عن مخاوف بلادها من «الإسلاميين» الذين يقاتلون في سورية تنبري جهات في إدارتها الى التشديد على أن سياسة واشنطن لم تتغير في هذا الصدد وهي تتابع دعمها «للثورة» هناك وأن جهودها مستمرة في تأمين مستلزمات الحرب في سورية.
لم يكن الإرباك الأميركي إلا نتيجة مباشرة «للحدث الكبير» الذي تجلى باغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن في بيروت في 19 تشرين الأول الماضي ذلك أن الرجل كان يشكل العمود الفقري للإدارة التنفيذية في الحرب الدولية التي تخاض هناك من لبنان ومن غير دولة من دول الجوار السوري لا سيما من تركيا، إلا أن الإغتيال الذي أتى عشية التصريحات الأميركية المتناقضة كان سبقه إقرار من أكثر من جهة دولية ومن الأميركيين أنفسهم بأن الوضع في سورية لا يمكن تغييره بسهولة وأن ما كان منتظراً من الحرب لم يعد هدفاً بحد ذاته وأنه يجب التوجه نحو تحقيق تسوية تضمن الحد الأدنى من المكاسب كبديل من الخسارة التي ستحصل بين عشية وضحاها على المستويين السياسي والعسكري بعدما تأكد الجميع أن صمود الدولة في سورية وتماسك جيشها قد أسقطا كل الحسابات على أبواب استحقاقات سياسية وانتخابية داهمة.
وفي هذا السياق كان الأميركيون قد نصحوا رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن عليه أن يعمل انطلاقاً من أن الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى في منصبه وأن عليه الا يأمل بتغييرات جذرية كان الرجل قد وضعها في حساباته وانتظر تحقيقها ولو بعد حين. فالإدارة الأميركية التي تتحضر لخوض الإنتخابات الرئاسية كانت وصلت الى نهاية الخطة (أ) وبات عليها الإنتقال الى الخطة (ب) والتي تقتضي إدخال تعديلات أساسية على سياستها في الشرق الوسط إنطلاقاً مما نصحت به ميقاتي حيال سورية والرئيس بشار الأسد.
كان لا بد من حدث كبير يجب أن يحصل لبدء الإنعطاف باتجاه الخطة (ب) فقد سقطت الحاجة الى رموز الخطة (أ) وبالتالي لا يمكن لجم الحالة التي عملت أجهزة الإستخبارات الدولية ومنها الأميركية والفرنسية على تأجيجها في المناطق الساخنة المتأثرة بالحرب في سورية وتحديداً في لبنان إلا من خلال ذلك الحدث الذي دفع ثمنه اللواء الحسن والذي جاء دموياً بحجم التقاطعات التي وقف عليها الرجل في لعبة أمم حجمها اكبر بكثير من حجم لبنان وزواريبه الضيقة في السياسة والأمن وحتى الصراع مع «إسرائيل».
التصريحات الأميركية التي اطلقتها الوزيرة كلينتون حول مخاوف بلادها من «الأصولية» الإسلامية في سورية لم تكن نتيجة «الإنفعال» أو هي «اعتباطية»، وإنما جاءت لتعبر عن تغيير كامل في الإتجاه قد يكون لمصلحة الدولة في سورية «آنياً» ولكن ليس على المدى البعيد، حيث أن واشنطن قررت أن تعيد الأمور الى المربع الأول في المنطقة أي قبل اندلاع الحوداث في سورية والتعامل استراتيجياً مع دول المحور الممانع مجتمعة بعدما استطاع هذا المحور فرض إرادته حيال ذلك، وساعده في هذا الإتجاه ما استطاع حشده من تأييد دولي تمثل بموقف روسيا والصين وعدد من الدول التي تحفظت أو رفضت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وما يمكن أن يكون لذلك من تأثير على التوازن الدولي.
الخطة (ب) الأميركية بدأت من لبنان المسيطر عليه «كلياً»، من قبلها عبر قواها الحليفة من جهة، وما تمتلكه من رصيد في الدولة اللبنانية من جهة أخرى، وبالتالي لدى أجهزة الأمن فيه، فحدث اغتيال الحسن شكل النقطة المركزية في تطبيقها مع اتخاذ الإجراءات كافة التي تحول دون انهيار الحلفاء الذي تحقق من الناحية العملية بالرغم من ذلك وهذا ما أظهرته تداعيات الإغتيال، في حين دفعت واشنطن بدبلوماسيتها الى تحصين وضع رئيسي الجمهورية اللبنانية والحكومة لمنع السقوط المدوي لقوى «14 آذار»، وهو ما شكل عنوان زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية أليزابيت جونز الى بيروت في 31 تشرين الأول الماضي.
تقول أوساط دبلوماسية إن الإدارة الأميركية هدفت من خلال تحركها اللبناني وطرحها لفكرة حكومة لبنانية جديدة برئاسة ميقاتي نفسه، الى الحد من تداعيات اغتيال الحسن وانهيار حلفائها وضمان عدم تحقيق الفريق الآخر مكاسب من وراء ذلك تماماً كما حصل في حرب تموز عندما خسرت إسرائيل الحرب أمام حزب الله الذي منع من قطف ثمار انتصاره.
وتشير الأوساط نفسها الى أن التحرك الفرنسي المفاجئ المتمثل بزيارة الرئيس فرانسوا هولاند الى بيروت بعدما كان جدول أعماله يتضمن استقبال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الأسبوع المقبل إنما يندرج في نفس الإطار وعلى القواعد نفسها التي مشت عليها سياسة واشنطن وإدارتها حيال الأزمة في سورية من خلال لبنان والتي من المتوقع بحسب الأوساط أن تبدأ بالإنحسار تدريجياً ابتداءً من الشهر الجاري، وهو ما يسعى المبعوث الدولي – العربي المشترك الاخضر الإبراهيمي الى تحقيقه وفق خطة تم عرضها على الروس والصينيين في زيارتيه الأخيرتين إليهما.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار