غزة.. قواعد جديدة للمقاومة
غزة.. قواعد جديدة للمقاومة
البناء 19 تشرين الثاني 2012
محمد شمس الدين
وقعت «إسرائيل» في فخ المقاومة. فهي لم تستطع الإفلات من الشرك الذي نصبته لها
في عملية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي استهدفت خلاله بصاروخين من نوع «كورنيت»دورية
عسكرية تابعة لجيش الإحتلال الإسرائيلي شرق المنطقة الصناعية (كارني) على حدود قطاع
غزة مساء السبت 10/ 11/ 2012، ما أدى الى تدمير سيارة جيب وإصابة 4 جنود، أفيد في حينه
أن حالتهم خطرة فيما أكدت مصادر عسكرية فلسطينية أن جنديين اثنين منهم قتلا.
توعدت «إسرائيل» كعادتها فور العملية بالرد «الحاسم» واعتبر مسؤولون سياسيون
فيها لا سيما رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك أن الفرصة قد أتتهما
لخدمة انتخاباتهما المقبلة وسط تخبط سياسي تعكسه الخلافات «الإسرائيلية» الداخلية وفشل
في تسوية الأوضاع التي يعيشها كيان العدو عدا عن الفشل في ترتيب الملفات الخارجية وفي
ومقدمتها الملف النووي الإيراني، من خلال التهديد بتوجيه ضربة عسكرية الى إيران، ولا
بواسطة المواقف الدولية التي لم تفلح العقوبات التي فرضتها «اسرائيل» في تحقيق المرتجى
منها.
دخلت إسرائيل «برجليها» الى الشرك وبتوقيت المقاومة التي كانت قد جهّزت نفسها
لرد الفعل العسكري وسط حسابات سياسية دقيقة تنطلق من قراءة شاملة للموقف الإقليمي والدولي
المتراكم منذ الحراك الشعبي العربي بدءاًمن تونس وصولا الى الوضع في سورية وما نتج
عنه من انقسامات حادة في المواقف الدولية والإقليمية لا سيما العربية منها، كما قرأت
جيداً في تأثير ذلك كله على الوضع الفلسطيني الداخلي وما آلت اليه القضية الفلسطينية
بعد تسجيل تراجعات حادة في مواقف الأطراف المعنية مباشرة بها بعد سيرة مقاومة ناصعة،
ونجاح محاولات احتوائها ولو جزئياً، لتقرر في هذه اللحظة وفي هذه الأجواء إعادة تصويب
البوصلة باتجاه العدو الأساسي في «إسرائيل».
بدأت المقاومة بسلسلة من الإجراءات التي سبقت تنفيذ عملية الجبهة الشعبية قبل
حوالىأسبوع، كان أبرزها إرسال طائرة أيوب التجسسية الى سماء فلسطين وتسجيل نجاح باهر
في اختراق الحواجز الأمنية الجوية وأجهزة الرصد، الى إجراء مناورات سرية لم يتم الكشف
عنها لضرورات أمنية، لكن مصادر معنية قالت إن العدو «الإسرائيلي» يعلم بأنها قد حدثت
بالفعل وهو كان أعلن استنفار جيشه على اثرها وهي من فئة الحرب الالكترونية حيث تم التشويش
على أجهزة الرادار وسلاح الإشارة «الإسرائيلي»، ومن داخل فلسطين المحتلة لتجتمع كل
عناصر المواجهة هذه المرة في بقعة يسيطر عليها الإحتلال.
السؤال المطروح يدور حول ماذا تريد المقاومة من وراء ذلك، لا سيما في هذه اللحظة
السياسية الحرجة التي تمر بها المنطقة؟.
في المقام الأول يمكن القول إن المقاومة سجلت من خلال العمليتين (ايوب والكورنيت)
انتصاراً عسكرياً مباشراً على «إسرائيل» في مستويين رفيعين، فهي حصلت على معلومات وصور
لمواقع عسكرية واستراتيجية جواً ومن حيث لا تتوقع، في حين ضربت على الأرض الجيب العسكري
مسجلة اختراقاً كبيراً في شريطها الأمني وفي المنطقة الآمنة.
في المقام الثاني، لا بد من التوقف عند المضمون السياسي للعمليتين والذي يقول:
(أ): إن المقاومة واحدة لا تتجزأ إن في فلسطين أو
في لبنان أو في سورية أو في أية بقعة من بقاع العالم وحتى سمائه، وأن محور هذه المقاومة
أمر فعلي وجدي ولن تستطيع قوة أن تخترقه لا من خلال حروب ولا من خلال حوادث داخلية
مصدّرة من الخارج، وأن التركيز على إسرائيل كعدو لن يتشتت مهما علت الرهانات على التغييرات
التي طرأت بفعل ما يسمى بـ»الربيع العربي».
(ب): إن زمام المبادرة
هو بيد المقاومة وأنها تعمل بتوقيتها لا بالتوقيت «الإسرائيلي».
(ج): إن الرهان على سحب
فصيل فلسطيني من المعادلة لا يجدي من يحاوله نفعاً، إذ أن دولة قطر تضطلع بمهمة فرض
الشروط على حركة حماس باسم دول عربية وغربية بعدما نجحت بإغرائها، بينما تفيد التقارير
عن أن الحركة الإسلامية في فلسطين قد رفضت شروط أمير تلك الدولة في وقف العمل المسلح
وإعلان هدنة طويلة الأمد مع «إسرائيل»، الى جانب قطع العلاقة مع إيران.
وفي هذا السياق، فإن حماس يبدو
أنها قرأت في الكتاب الخطأ بعد صعود حركة الإخوان المسلمين الى السلطة في أكثر من دولة
على راسها مصر، التي وإن بدا موقفها من العدوان على غزة شديداً إلا أنه لم يرق الى
مستوى المواجهة المطلوب والذي كانت تتوقعه حماس التي رفض أحد مسؤوليها لدى سؤاله عن
مغزى الإبقاء على معبر رفح مغلقاً أمام الدعم اللوجستي للحرب، واقتصار فتحه على دخول
الزوار والمساعدات الإنسانية وخروج الجرحى الى المستشتفيات، إعطاء اي تفسير لذلك مكتفياً
بتسجيل استغرابه.
قرار «إسرائيل» الدخول بعمليتها العسكرية «عامود السحاب» الى غزة مهما كانت
شرسة، لن يغيّر في قواعد اللعبة الجديدة التي فرضتها المقاومة وهي تحقيق توازن الردع
وهذه المرة من داخل فلسطين، وهو ما يعتبر خطوة متقدمة جداً على مستوى الصراع معها،
ناهيك عما يشكله ذلك في توجيه ضربة الى المحور العربي – الغربي الذي يراهن على تفكيك
محور الممانعة والمقاومة من الداخل.
تعليقات