عملية «تل أبيب» رسالة الحرب إلى المنطقة


عملية «تل أبيب» رسالة الحرب إلى المنطقة
البناء 22 تشرين الثاني 2012
 محمد شمس الدين

ضربت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ضربتها الثانية بعد «كورنيت غزة» الذي أطاح بجيب عسكري «إسرائيلي» قتل فيه جنديان «إسرائيليان» على الأقل، فيما جرح اثنان آخران لم يعرف مدى إصابتهما.
الضربة الجديدة جاءت في وسط «إسرائيل»، في عاصمتها التجارية والسياسية، وبأسلوب مميّز اتخذ شكل العملية الأمنية بعد الأولى العسكرية، في دلالة واضحة على قدرة المنفذين وانعكاس صريح لقرار لا لبس فيه بفتح المواجهة بحسب توقيت المقاومة.
الحرب التي يشنها «الإسرائيليون» على غزة كان قرارها بالنسبة لهم سهلاً، لكنهم فوجئوا بأنّ إقفالها ليس بيدهم هذه المرة، بالرغم من كلّ الضغوطات الدولية التي تمارَس على المعنيّين المتابعين لذلك العدوان إن مصر النظام أو في إطار دول الجامعة العربية لا سيما «النعاج» منها.
ما حصل في القاهرة من مشاورات وصل الى حدّ الخيانة التي حاول البعض مقاربتها من خلال محاولة التخفيف من حدة الشروط التي وضعتها المقاومة على «إسرائيل» للقبول بوقف إطلاق النار. لكن فصائل بعينها كانت عادة تستبعد من المشاورات إلا لماماً، رفضت ذلك فشعرت فصائل أخرى وأنظمة خلفها أنه لا يمكن تجاوزها، لا سيما أنها استطاعت السيطرة على الموقف العسكري من ناحية القدرة على الاستمرار في إطلاق الصواريخ باتجاه الأهداف الإسرائيلية العسكرية والمناطق السياحية، أو من الناحية الأمنية من خلال اختراقها لهواتف أكثر من 5 آلاف ضابط في جيش العدو، وصولا الى تفجير الحافلة الذي من شأنه أن يعطي بعداً مختلفاً للحرب الدائرة حالياً، وإعلان أن لا قوف قريب لإطلاق النار من دون إذعان «إسرائيل» لكامل شروط المقاومة.
 لكن يبدو أنّ ذلك ليس الأمر الوحيد الذي تدور حوله مناقشات الدوائر السياسية في «إسرائيل» الغارقة حتى أذنيها بالارتباك والتخبّط، وفي الغرب الذي بدأ يقرأ أبعاداً أخرى للتطورات في غزة، قد تمتدّ الى خارج حدودها وخارج الكيان «الإسرائيلي»، لتطال ملفات هامة على مستوى المنطقة برمّتها، خاصة أن ما تشير إليه عمليتا الكورنيت في غزة وتفجير الحافلة في وسط «تل ابيب»، إضافة الى المستوى الذي ظهر في إطلاق الصواريخ على العمق «الإسرائيلي»، إنما يرمي إلى إعادة خلط أوراق وضعت قيد التنفيذ منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورات العربية على امتداد الشرق الأوسط وإفريقيا، في محاولة لإعادة صوغ  منظومة سياسية جديدة فيها، وهو ما يتمّ التعبير عنه حالياً من خلال المواقف الاستيعابية لعدد كبير من الدول العربية كان قرّر أن يكون في صف التغيير الأميركي – «الإسرائيلي» للمنطقة وإرساء قواعد تراعي مصلحة استمرار ما بقيَ منها متصالحاً مع جديدها لكن في مواجهة محور مقاومة هو الهدف الأول لتلك التغييرات المنشودة.
ما عبّر عنه رئيس الوزراء القطري في الجامعة العربية السبت الماضي يعكس بشكل واضح مفاجأته مما وصلت اليه الأمور في غزة، خاصة فقدانه لشعور السيطرة الذي انتشى به طيلة المرحلة السابقة، منذ أن برز لاعباً قوياً أمام ضعاف في العالم العربي، لكنه الآن أمام مواجهة حقيقية لم يستطع «الذئب»  «إسرائيل» حليفه الأساسي و»القوي» أن يصمد أمامها، فبدأ يفتش عن مخارج لاحتواء الحرب طارحاً ما يوازي قيمة كرامته من المال من دون أن يعلم أن بعض الكرامات لا يمكن شراؤها.
عملية تل أبيب وضعت النقاط على الحروف، خاصة أنه أعلن عنها من دمشق، ولهذا الأمر دلالاته الكبرى التي تعرفها «إسرائيل» وحلفاؤها من الغربيين والعرب الذين يقفون اليوم أمام خيارات صعبة، فبعد شروط «إسرائيلية» لوقف العدوان على غزة باتت الدولة العبرية ومعها الحلفاء يفتشون عن مخرج وهم على استعداد للقبول بأية شروط لعل المقاومة ومحورها باتوا غير جاهزين لمناقشتها.
تقول مصادر سياسية مطلعة على مباحثات القاهرة التي يجريها رئيس الاستخبارات المصرية اللواء رأفت شحاتة على مدار الساعة مع فصائل فلسطينية وشاركت في مراحلها الأولى تركيا، إنّ الجانب المصري يحاول بشتى الوسائل إعادة الإمساك بزمام الأمور بطلب عربي عالي المستوى وبتوسل «إسرائيلي»، لكنه لم يفلح حتى اللحظة، لا سيما بعد عودة دمشق إلى موقعها من خلال إعلان «كتائب الشهيد جهاد جبريل» مسؤوليتها عن العملية التي تأتي في سياق واحد مع دور الصواريخ التي تفعل فعلها في «إسرائيل».
وتضيف المصادر أنّ محور الممانعة والمقاومة سيكون خاسراً إذا ما نجح أخصامه من العرب تحت شعار «كفّ اذى» العدوان، في تطويق جهد الفصائل التي تقاوم في غزة التي لم يعد يخشى على أي شيء فيها، بعدما دمرتها «إسرائيل» تدميراً كاملا ومُمنهجاً بهدف استحالة عودة أهلها إليها إلا بعد مضيّ سنوات طويلة وعديدة وإن بادر «النعاج» الى إعادة إعمارها.
نقلت عملية «تل ابيب» الحرب الى مستوى آخر، هي رسالة الحرب الى المنطقة، فمن نفذها يقول إنه جاهز لتكرارها وأنه هو من سيفرض الشروط في هذه المرحلة داخلياً وخارجياً، وأنه ما زال ضمن المعادلة ولا يمكن إقصاؤه عنها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار