«كورنيت» غزة؟!

 
«كورنيت» غزة؟!

البناء 12 تشرين الثاني 2012
محمد شمس الدين   

بأعصاب باردة، تنجح المقاومة في كل مرة من توجيه رسائلها الى العدو «الإسرائيلي» في قلب فلسطين المحتلة، فبعد الاختراق النوعي الذي حققته طائرة التجسس «أيوب»، ضربت المقاومة أول من امس سيارة عسكرية تابعة لجيش الإحتلال شرق قطاع غزة فدمرتها واصابت الجنود الأربعة الذين كانوا على متنها بإصابات وصفت بالخطيرة والمتوسطة، وذلك عبر استخدام صواريخ «الكورنيت» المضادة للدروع، في إشارة واضحة الى امتلاك المقاومة داخل القطاع، وبالتالي في الأراضي المحتلة هذا النوع من الصواريخ الذي يشكل دلالة على نوعية المواجهة التي يمكن أن يلقاها الاحتلال في اية محاولة للاعتداء مجدداً إن داخل فلسطين أو حتى خارجها، وهو لم ينس ما فعله الكورنيت ضد دباباته في وادي الحجير في جنوب لبنان في حرب العام 2006.

لكن مسألة استخدام هذا السلاح بهذه المرحلة في عملية «ناجحة» ضد الاحتلال في قطاع غزة لها دلالاتها السياسية والعسكرية في آن، فعلى المستوى الفلسطيني تقول الرسالة التي وجهتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبر ذراعها المسلح المتمثل بـ»كتائب الشهيد ابوعلي مصطفى»، إن ما اشيع عن موقف حركة «حماس» اللين في مقاربة الأمور مع العدو «الإسرائيلي» غير موافق عليه من جميع الفصائل وهو لا يمثل خط المقاومة وإن صدر عن الحركة الفلسطينية في غزة، ما يدين الإعتداء على المدنيين الفلسطينيين مع التهديد بالرد، في وقت تتوالى فيه التقارير عن اجتماعات ولقاءات لا تعبّر عن المضمون نفسه الذي اتسمت به حماس قبل «ثورات الربيع العربي» واندلاع الأزمة في سورية، وما هو معروف عن موقفها منها والذي أدى الى خروجها نهائياً من دمشق والى الدوحة في قطر تحديداً، وانسجام ذلك مع الموقف القطري ومقاربته للنظرة بشكلها العام بالنسبة للصراع العربي ـ الإسرائيلي، ناهيك عن ما عكسه موقف نظام «الإخوان المسلمون» في مصر من انفتاح على العلاقة مع «إسرائيل» مع بعض التعديلات الشكلية والطفيفة والتي حتى الآن لم تمس الجوهر، وهو الامرالذي يتناقض على الأقل مع خط ومضمون المقاومة العربية والإسلامية.

أما على المستوى «الإسرائيلي»، فإن «كورنيت غزة» وجّه رسالة حاسمة الى الاحتلال مفادها أن درجة الجهوزية لدى المقاومة باتت أعلى مما يتصوره، بالرغم من الكمّ الهائل من المعلومات التي يمتلكها حول ذلك، وما يضعه من سيناريوهات للعمليات العسكرية «المتوقعة» للرد، وبالتالي استخدام قوته في ليّ أية «ذراع» مهما كانت قوتها، لكن ذلك لا ينفي أن «الكورنيت» باتت داخل فلسطين وأن الحرب المقبلة ستنطلق لأول مرة من هناك حيث يرتع جيش العدو ويلعب، في حين أن المقاومة وعبر فصائل متعددة فيها ألمحت في أكثر من مناسبة الى أن نوعية الاسلحة التي باتت تمتلكها في فلسطين هي على درجة كبيرة من الأهمية بحيث تراهن المقاومة على تغيير قواعد اللعبة من خلال استخدامها.

وفي هذا السياق، تقول مصادر في المقاومة، إن آلية عمل هذه الأخيرة قد تطورت وتم الانتقال من رد الفعل الى الفعل حيث أتت المبادرة من جانبها هذه المرة وفي عملية تشبه الى حد كبير العملية التي نفذتها المقاومة الإسلامية في تموز 2006، ولكن من دون خطف للجنود، وأنها ليست أقل من ذلك أبداً، ومن شأنها أن تدفع بالعدو «الإسرائيلي» الى الجنون لكنه لن يقدم على ذلك لأنه يعرف مضمون الرسالة جيداً، ومفادها أن لا رهان سينجح على أي التفاف يحاوله عبر هذا الطرف أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك، أو حتى عبر ركوب موجة «الثورات» التي استعادت بشكل كبير إنتاج سياسات الأنظمة التي ثارت ضدها في القضايا الإستراتيجية وقضايا الصراع الأساسية من جهة، وفي التحالفات والخلافات فيما بينها على مستوى المنطقة من جهة اخرى.

وتشير المصادر نفسها، الى أن «كورنيت غزة» ليس «معزولاً» وهو يمثل محور الممانعة والمقاومة بكامله، كما أنه يندرج في إطار الحرب المفتوحة مع العدو «الإسرائيلي» سياسياً وعسكرياً وحتى أمنياً وشأنه كشأن باقي الحروب المفتوحة في المنطقة، ما يوجب الحذر (الذي اتخذ فوراً) من ردات فعل غير محسوبة تؤدي الى ما ليس محسوباً لدى العدو ومنطومته الدولية والإقليمية.
كورنيت غزة يعيد تصويب البوصلة باتجاه فلسطين، ويقول إن العدو الذي يجب أن يقاتَل هو الإحتلال وأن الحرب هناك وليس على الأرض في سورية أو في أية بقعة أخرى مهما عظمت الشعارات المرفوعة، وأن ما يجري من محاولات لتقويض الجهود المنصبة على تعزيز محور المقاومة ودورها ستواجه بشراسة مواجهة العدو الإسرائيلي. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار