صولات وجولات الحرب في سورية


صولات وجولات الحرب في سورية
البناء 26 تموز 2012
محمد شمس الدين  

إنها معركة حلب. وهي الثانية لوزير الدفاع السوري الجديد فهد جاسم الفريج بعد دمشق التي بدأت تستعيد عافيتها، إثر سقوط الإرهاب فيها في جولة مجلجلة قال عنها أهل المدينة إنها الأعنف منذ بدء الحوادث في سورية منذ حوالى الـ 17 شهراً. كذلك يقول أهالي وسكان مدينة حلب أمس واليوم بعد أن قررت القيادة العسكرية إرسال لواءين الى الشمال لتوجيه ضربة قاسية للجماعات المسلحة، التي بدأ من بقي منها الفرار من مدينة الى أخرى والى أي مكان يستطيعون التخريب فيه.

لم يعد هناك مكان لحمص التي استنفدت معركتها شهورا طويلة بوتيرة تتراوح بين العنف والعنف المتوسط، بعدما كانت عوامل كثيرة تلعب دوراً في الحد منه انطلاقاً من مواكبة العمليات لكل التحركات السياسية الخارجية، والتي بمعظمها وفرّت مساحات قصوى لتلك الجماعات باستعادة أنفاسها في كل مرة كان الهواء بدأ ينفذ من رئتيها، إلا أنه هذه المرة وبعد تفجير مبنى الأمن القومي كان قرار القيادة السورية واضحاً بالانقضاض دفعة واحدة ومن دون هوادة على بؤر التخريب ومحاصرتها حتى القضاء عليها.

انطلق وزير الدفاع الجديد في مباشرة مهامه منذ لحظة انفجار مبنى الأمن القومي حتى قبل تعيينه رسمياً إذ كانت الأمور عند إبن حماه واضحة ولا تحتاج لكثير من التفكير، وهو عين ما أمر به قادة الوحدات والعسكريين بأن عليهم أن يتصرفوا من دون الحاجة الى مراجعته لأن السرعة مطلوبة في إنجاز العمل، فكانت معركة دمشق التي غيّرت مسار الحرب وأظهر فيها الجيش السوري كفاءة عالية وتماسكاً في التعامل مع الموقف الصعب.

لكن الانعكاسات التي ظهرت بعد دمشق انسحبت فشلاً ذريعاً للإدارة السياسية الخارجية للجماعات المسلحة، حتى أن الضجيج وصل الى أسماع البيت البيض الأميركي والإدارة في واشنطن و»إسرائيل» فانعكست تهديدات على أعلى المستويات لحرف النظر عن حقيقة الأمور على الأرض. نعم ضرب الجيش السوري ضربته الكبرى في العاصمة وانتقل لاستكمالها في حلب علها تكون الأخيرة.

ما سمعته الإدارة في واشنطن وتل أبيب وباقي عواصم العالم الغربي جاء من خلال ما كتبه أحد أهم المحللين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة ونقلته القناة العاشرة في التلفزيون «الإسرائيلي» ومفاده أن «على الغرب أن يجهّز نفسه فوراً للحرب» التي يراها فريدمان «مقبلة لا محال»، وذلك بناء على قراءته التي تقول إن «القيادة السورية قد انتصرت في الحرب الأصعب وهي الحرب الدبلوماسية والاستراتيجية»، وأنه «من السهل عليها أن تنتصر في الحرب العسكرية خاصة مع جيش استشهادي لا يعرف إلا النصر والقتال حتى آخر نقطة دم».

يستند فريدمان الى ما يقول إنها معلومات توافرت له من أن «الرئيس السوري بشار الأسد أعطى الضوء الأخضر الكامل لقواته المسلحة لكي تنهي «التمرد الثوري» فوراً وبأسرع وقت بعد أن عيّن لجنة جديدة للأمن الاستراتيجي.. ووضع قواته الصاروخية في حال الجهوزية الكاملة واستدعى نخبة علماء مركز البحوث العلمية ليكونوا بتصرف الحرب، وهم الآن في مراكز عملهم الجديدة»، وذلك من أجل مواجهة أية عملية خارجية قد يستدعيها قراره بإنهاء «التمرد» في الداخل، لاسيما بعدما تعالى الصراخ حول ما تملكه سورية من أسلحة كيميائية قد تشكل ذريعة للغرب للدخول في مغامرة غير محسوبة النتائج بالنسبة إليه، في حين أن اعتراف سورية بها والتهديد باستخدامها للدفاع عن نفسها ضد اي عدوان خارجي قد وضع في إطار توازن الردع الإستراتيجي على مستوى المنطقة بكاملها.

يستدل فريدمان على ذلك كله من خلال تعيين من دعاه بـ«الجاسم» في وزراة الدفاع ووصفه بأنه «أشرس ضابط سوري»، مشيراً الى أن ذلك «يذكره بالجنرالات الألمان الذين كانوا يعرفون بتكتيكاتهم المستحدثة» على حد تعبيره. إلا أن ما يجهله فريدمان على ما يقول قيادي سوري بارز إن «ما يميز كل القادة العسكريين والأمنيين الذين تم تشكيلهم في المواقع المختلفة هي (الشراسة) دفاعاً عن الحق الذي يؤمنون به، خاصة وأنهم كما الذين سبقوهم يعرفون أن ما تتعرض له سورية هو حرب دولية بكل المقاييس وأن المستهدف هو خيارها الممانع وأنها تخاض لمصلحة العدو «الإسرائيلي» فقط».

ما كتبه فريدمان جاء بعدما تجمّع الصحافيون الدوليون بالعشرات في العاصمة الاردنية عمّان بناء على معطيات زوّدتهم بها حكومات دول التحالف العربي – الغربي الذي يقود الحرب ضد سورية، والتي اشارت الى أن حدثاً ما سيحصل وسيعقبه دخول مباشر ووشيك لما يسمى «الجيش السوري الحر» الى سورية عبر اكثر من محور، وكان المقصود بذلك حادثة انفجار مبنى الأمن القومي وسقوط قادة عسكريين فيه، إلا أن ردة فعل القيادة السورية السياسية والعسكرية والأمنية والشعب السوري وما أظهروه من تماسك وحزم حيال ما جرى، خرّب خطة التحالف وأحبط من يدّعي بأنه قائد «الجيش الحر»  الذي كان صرح بأن دخوله الى البلاد وحاراتها بات على الأبواب التي ظلت موصدة بإحكام أمامه والغزاة كما كانت دائماً عبر التاريخ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار