جنيف.. إعلان مواصلة الحرب
جنيف.. إعلان مواصلة الحرب
البناء/ 2 تموز / 2012
محمد شمس الدين
تمخض اجتماع «مجموعة العمل الدولية» حول سورية الذي عقد في جنيف أول من أمس،
عن موقف واحد مفاده أن السوريين هم مسؤولون عن ترتيب شؤونهم تحت سقف الحوار الداخلي
بين الحكومة والمعارضة وتحت قيادة الرئيس بشار الأسد. عنوان هذا الإجتماع كان واضحاً
وهو إجراء عملية انتقال سياسية تقوم على الحوار، لكن البيان الذي صدر أو التصريحات
وما قيل في المؤتمرات الصحافية التي واكبته لم توضح ماذا كانت تعني كلمة «انتقال سياسي»،
متجنبة بذلك الى ابعد الحدود ذكر الرئيس السوري، إلا ما صدر عن وزيرة الخارجية الأميركية
حول تنحي الرئيس الأسد ما يعكس نقطة الخلاف الرئيسية التي سادت الإجتماع.
مصادر دبلوماسية عربية قالت إن الخلاف الذي نشب قبيل انعقاد الإجتماع واستدعى
تأخر انعقاده لأكثر من ساعتين، يعود الى إصرار الجانب الأميركي على تضمين البيان الختامي
فقرة واضحة تتعلق بتنحي الرئيس السوري، في حين هدد وزير الخارجية الروسي بعدم الإنضمام
الى الإجتماع ومقاطعته إذا أصرت الولايات المتحدة على ذلك، لكن مواقف الدول الأوروبية
المشاركة في الإجتماع أبدت طراوة في التعاطي مع هذه النقطة دعَمها موقف الصين التي
تتشارك وروسيا الموقف نفسه، ما شكل ضغطاً على الوزيرة كلينتون التي تفردّت بالتعبير
عن موقف حاد ضد الرئيس السوري، وذلك تحت ضغط دول عربية شارك بعض منها وغاب البعض الآخر،
وملاقاتهم ضمن مشروع سياسي واحد ومنظومة مصالح مشتركة.
وتقول المصادر إن الحاجة للإبقاء على إشراف دولي على الأزمة في سورية هي التي
فرضت نفسها في نهاية المطاف، لأن إنفراط عقد الإجتماع يعني بالنسبة للغرب منح روسيا
الحق الكامل والحرية المطلقة في معالجة الأزمة السورية بعيداً عن عيونهم، وبما لا يتوافق
مع تطلعاتهم في المنطقة ولا مع مصالح حلفائهم فيها، خاصة وأن المؤتمرات التي عقدت متنقلة
بين عواصم عدة لبحث الملف النووي الإيراني لم تفلح في إيجاد حد أدنى من التفاهمات حوله،
ما كان يمكن أن يعوّض الغرب و»إسرائيل» بعضاً من الخسائر المتلاحقة على أبواب استحقاقات
داخلية عديدة تحتاج الى دعائم خارجية عنوانها ملفات عالقة يمكن استثمارها لخوض تلك
الاستحقاقات.
أقرت مجموعة العمل الدولية حول سورية في جنيف بأن الحل يجب أن يكون سوريّاً،
وأن المطلوب هو التوجه نحو حكومة وحدة وطنية تضم المعارضة من أجل تحقيق عملية انتقال
(ديمقراطية.. نحو الديمقراطية) التي لم تذكر في البيان، ما يعني أنه بات من الصعب رؤية
سورية من دون الرئيس الأسد الذي اقدم من الناحية العملية على تنفيذ ما طلبه اجتماع
جنيف حتى قبل أن ينعقد، فهو أجرى انتخابات برلمانية وشكل حكومة لم يمض عليها أكثر من
أسبوع تضم معارضين سوريين بارزين بدأو مهامهم الفعلية منذ ايام قليلة، لتصبح دعوة اجتماع
جنيف في هذا السياق خارجة عن الطبيعة ولاحقة على فعلٍ في الإتجاه الصحيح، فما على الإجتماع
الموقر إلا أن يوعز بعض من شارك فيه الى مجموعاته المقاتلة في سورية الى الكف عن القتال
والانضواء في عملية سياسية مع الحكومة من خلال تلك العناوين المعارضة التي تضمها والتي
لم تتلق حتى اليوم أي نقض ممن هم معارضون من الخارج.
ليس من الراجح أن يعاد تشكيل حكومة جديدة في سورية بعد أن نجحت القيادة فيها
بانجاز ما تم، فما تطلبه «مجموعة العمل» محال فعله وغير واقعي ولا يمت الى المنطق بصلة،
في ظل المواقف التي تعلنها جماعات الخارج وتعكسها في الداخل قتلاً وتدميراً وتخريباً
وتهريباً للسلاح وبرعاية من تلك الدول التي تنصح بأن يكون مدخل الحل «حكومة وحدة» ليس
هناك قدرة على إيجادها.
إن ما سعت اليه بعض دول المجموعة هو في الحقيقة الدفع باتجاه ضرب سياسة الرئيس
السوري في إدارة أزمة بلاده وفرط حكومته التي انجزها بضم معارضين، لأنه بذلك استطاع
شد الحصار على الجماعات المسلحة التي تتلطى خلف شعار المعارضة وعزلها سياسيا بعد الاستمرار
بالإجهاز عليها باعتبارها خارجة عن القانون التي ترعاه حكومة وحدة حقيقية.
الهدف هو إعادة الأمور الى المربع الأول، بعدما ثبت أولاً أن لا قدرة ميدانية
على اسقاط الدولة في سورية في ظل تماسك المؤسستين العسكرية والأمنية في البلاد ووضوح
الرؤية لديهما باعتبار أن ما يخوضانه على الأرض هو حرب حقيقية على بلدهم، وأن الهدف
هو إسقاطها وتدميرها وليس منحها «الديمقراطية» التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وثبت
ثانياً أن الرئيس الأسد قد تخطى كل الحواجز والمطبات السياسية التي وضعت في طريق وضع
أسس واضحة ومتينة لبناء دولة قوية، لكن الأوضح الذي صدر عن اجتماع مجموعة العمل الدولية
في جنيف هو أن الحرب على الدولة في سورية مستمرة، أو على الأقل.. لم تنته بعد.
تعليقات