الجيش في الشمال.. أبعاد تتجاوز المهمّة؟


الجيش في الشمال.. أبعاد تتجاوز المهمّة؟                          
البناء 16 تموز 2012
 محمد شمس الدين

قرار الحكومة اللبنانية أخيراً بإرسال لواء من الجيش الى منطقة الشمال بعد سلسلة الحوادث التي شهدتها يبدو أنه الأهم منذ توليها مهامّها في حزيران من العام الماضي، لا سيما وأن هذا الجزء من لبنان قد دخل الى حيّز مهم إقليمياً ودولياً لنشاطه المكثف ودوره في الأزمة السورية، بعدما أريد له أن يكون ملاذاً آمناً للمسلحين السوريين الذين فروا من سورية بعد إصابتهم بعمليات قتالية في حمص وإدلب ومناطق محاذية للحدود المشتركة بين البلدين، فيما ذكرت تقارير لهيئات صحية أن عدد المسلحين السوريين الذين يوجدون في شمال لبنان بلغ حتى الشهر الماضي ما يقارب 1170 شخصاَ سجلت المراكز الطبية في المنطقة دخولهم للعلاج فيها.
وفي هذا السياق، قالت مصادر أمنية إن معلوماتها حول هؤلاء تفيد أنهم ما زالوا موجودين في منطقة الشمال ولم يعودوا بعد انتهاء فترة استشفائهم الى بلادهم، فيما السلطات تتعاطى معهم على أنهم نازحون، في وقت لم يتوانَ فيه هؤلاء عن القيام بنشاطات أمنية وعسكرية ضمن الأراضي اللبنانية واستخدامها كنقطة انطلاق باتجاه المناطق السورية، خاصة على صعيد العمليات اللوجستية التي تنشط في تلك المناطق على مسمع ومرأى الناس جميعأً.
وتشير المصادر الى أن حركة 1170 مقاتلاً في منطقة الشمال تحتاج الى ضعفي هذا العدد لناحية مواكبة حركتهم، لا سيما وأنهم يشكلون وجهة جاذبة للأموال التي توفرها اكثر من جهة عربية عبر أخرى محلية ما يزيد من فعالية هؤلاء الإستقطابية، وهو ما شكل لبنة اساسية لانفلات الوضع الأمني في الشمال وحوله الى ساحة عمليات لتجارة الأسلحة وتداولها وتهريبها، ما يستدعي تكثيف وجود الجيش اللبناني لضبط الوضع وحماية الحدود من الاختراقات التي يمارسها المسلحون تحت عنوان النزوح، وسد الثغرات التي تستخدم لاستهداف الجيش السوري على الجانب الآخر منها.
تحرك الجيش بمستوى لواء كامل باتجاه تلك المنطقة، يعني أن المؤسسة العسكرية باتت جاهزة على المستويين السياسي والعملاني لتنفيذ خطة امنية لضبط الوضع هناك، وأن اي احتكاك بالجيش أو افراده ستكون له عواقب وخيمة على كل من يعتدي عليه، لاسيما وأن انتكاسات عدة تعرض لها من قبل جماعات حزبية و»أهلية» لقيت حماية من بعض زعماء المنطقة ومنهم من هو في الحكومة والمجلس النيابي، إلا أن قرار الجيش بعد قرار مجلس الوزراء بات واضحاً لجهة الحزم بالتعاطي مع الأوضاع الشاذة على الأرض، لأن ما يحصل يهدف الى إضعاف هيبة الدولة عبر التطاول على المؤسسة العسكرية وأجهزتها الأمنية.
وتقول المصادر الأمنية ذاتها إن الهدف الأساسي من وراء ذلك هو خلق حالة من الفراغ الأمني لاستباحة الشمال، وفرض أمر واقع جديد لإيجاد ما اصطلح على تسميته بـ»المنطقة العازلة» لتكون منطلقاً لعمليات عسكرية ضد سورية، وهو الأمر الذي سعى الأميركيون الى تحقيقه، منذ ان فشلت الضغوطات التي مورست على القيادة السورية، وتعذر إقامة هذه المنطقة في دولة غير لبنان لصعوبة ذلك سياسياً ولوجستياً. فمعظم المناطق الساخنة في الداخل السوري هي تلك المحاذية للحدود اللبنانية أو القريبة منها أو تتمتع بسهولة التواصل مع الجماعات المناصرة لها فيه، وفي حال ابتعاد المناطق الساخنة السورية عن الحدود فإنها تتركز في شمال البلاد أي تلك التي تحدها من الناحية الأخرى تركيا التي تقف موقفاً داعماً للجماعات المسلحة في سورية ومناصريهم في شمال لبنان.
وتضيف المصادر أن سخونة تلك المناطق هذه ناتجة من خطة ميدانية تشكل ترجمة عملية للمشروع السياسي الغربي – العربي – التركي الذي وضع دراساته حول الموقع الجيوسياسي الذي يشكل البيئة الحاضنة لأي عمل عسكري مستقبلي ضد سورية، عدا عن أن الجماعات المكوِّنة لذلك الموقع تشكل رأس حربة في المعركة القائمة حالياً.
لم يكن التحرك الأميركي المكثف وعلى فترات متعددة باتجاه الشمال من قبل أعضاء في الكونغرس إلا لتحفيز خلق هذه المنطقة (العازلة)، إذ أن كل الوفود التي حضرت كان لها جانب ميداني تولاه ضباط من الاستخبارات الأميركية وآخرون من قيادة الجيش الأميركي الثالث تمهيداً لتحرك دولي من خارج مجلس الأمن تكون ساحة عملياته مضمونة من الناحية السياسية بحيث لا تزج أية دولة ذات وزن في المنطقة في أتون صراع مسلح قد يجر له اي تدخل في سورية ويشكل التفافاً على أي احتجاج روسي قد يصل الى حد الاحتكاك.
يتجاوز تحرك الجيش باتجاه الشمال بالشكل والمضمون حدود الحفاظ على الأمن في البلدات والقرى في عكار ليصل الى منع انفجار الوضع، بعدما بلغته الأمور من توتير يهدد أمن المنطقة بكاملها نتيجة عصبيات صبيانية من أناس محليين لا يرون أبعد من حدود أصابعهم التي «ستُحرق» إذا ما حاولت «الضغط على الزناد».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار