التسوية.. "فقاعات" أميركية سببها الفشل
التسوية.. "فقاعات" أميركية سببها الفشل
البناء 15 كانون الأول 2011
محمد شمس الدين
عندما يعجز الأميركيون ويبدأون بدفع الفواتير، تبدأ الصالونات السياسية ويبدأ المراقبون والمحللون بالحديث عن تسوية شاملة. إنه التعبير الذي دأبت الإدارة الأميركية على تداوله منذ عشرات السنين بل منذ وجودها السياسي وأحيانا العسكري والأمني في المنطقة. لكن الحقيقة تقول أن استخدام هذا التعبير هو المفردة الدبلوماسية التي تعتمدها الإدارة في واشنطن للدلالة على الفشل لا على العجز.
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح على المتداولين بالتسوية الشاملة هو أنه: إن كانت تلك التسوية ستنجز فمن هم أطرافها، في الوقت الذي تبدو فيه مساحاتها معدومة، إضافة الى أن القواسم المشتركة بين أطرافها غير موجودة، كما أن إحدى جهاتها تبدو "منتصرة" وليس من مصلحتها ولوج أية تسوية لأنها تكون قد وفرت مخارج حقيقية للطرف الآخر هو يحتاج اليها، في حين أنه "يلفظ" أنفاسه الأخيرة قبل طلب الرحمة أو العفو وتقديم التنازلات في مقابلها.
ليس في هذا الكلام مبالغة وإنما توصيف لما يجري، فالإدارة الأميركية بدأت تتلقى الصفعة تلو الأخرى في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعدما أبلغت أنها لن تستطيع البقاء في العراق ولا تحت أي ظرف أو شرط، وهذا الأمر فرضته الأحداث في سورية وعملت إيران على وضعه موضع التنفيذ، في الوقت الذي فتح فيه حزب الله في لبنان ملفات الأميركيين التي يملكها بالجانب الأمني – الاستخباراتي، وهو ما كان واضحا بعد القبض على عناصر في صفوفه تتجسس لمصلحة "السي آي أيه" في لبنان وما عكسه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالاته منذ تاريخ الخطاب الذي كاشف فيه جمهوره حول الاختراق الاستخباري الأميركي، وحتى حملته العنيفة على الولايات المتحدة ودورها ـ في ذكرى عاشوراء ـ في وقت سابق من كانون الأول الجاري.
لكن ما أظهره جهاز الأمن في حزب الله من قدرة على احتواء الاختراق والإعلان عن حجم الكشف، أثبت فعلا ما قيل عن أن الحزب كان يراقب تلك العناصر التي تعاملت مع المخابرات الأميركية وأعطاها مجالها الكامل حتى يتأكد من أمرين: الأول قطع الشك باليقين بأنهم متعاملون، والثاني كشف أعمق حلقات سلسلة المشغلين والتي يحتفظ الحزب حتى الآن بمعلومات بشأنها يتحفظ في الوقت الراهن عن إخراجها الى العلن، وهو ما ينتظره جهاز الاستخبارات الأميركي ويتحضر لتداعياته على مستوى إدارته، لما سيحدثه من زلزال بسبب مستوى الفشل الذي بلغه ولعله من المرات القليلة في تاريخه.
ليست التسوية التي يتم الحديث عنها سوى "فقاعات بلورية" الهدف منها التعمية على فشل الولايات المتحدة في السيطرة على مجريات الأحداث في المنطقة وتوجيهها بالاتجاه المناسب الذي يخدم مصالحها ومصالح "إسرائيل"، الأمر الذي دلت عليه الإشارات التي اطلقت من واشنطن وعبر وزارة الخارجية فيها إذ سجلت تراجعا في الخطاب تجاه سورية، ثم أعادت سفيرها الى دمشق من دون أن يصدر عنه اية حركة باتجاه السلطات حتى الآن، على ما أفادت به مصادر عليمة، إلا أن هذه الخطوات ترافقت مع تراجع ملحوظ سجلته مبادرة جامعة الدول العربية، وقبول المعارضة السورية بوساطة العراق المعروف موقفه من الحكومة السورية، وما يحصل على يد الجماعات المسلحة داخل البلاد، إضافة الى الموقف الذي وقفته بغداد في اجتماعات الجامعة نفسها، وما يضاف الى سجلها في هذا الصدد ما صرح به المالكي بعد لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما.
تسأل مصادر سياسية ممانعة رفيعة عن التسوية المشار اليها، وتبرز مجموعة من النقاط تدحض هذا الاتجاه، ومنها أن لا اتفاق حتى الآن بين إيران والسعودية على اي من الملفات الخلافية، إن بالنسبة الى العراق أم لبنان أم سلاح المقاومة فيه أم ما يتعلق ببرنامج ايران النووي أم لجهة "ضبضبة" الوضع في منطقة الخليج لا سيما بالنسبة الى ظروف المسلمين الشيعة أو حتى لجهة سيل الاتهامات التي وجهت الى طهران بالضلوع بالتحضير لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير وغيرها من الاتهامات، لكن المفارقة هي أن اياً من تلك الاتهامات لم تتابع وقد انطفأت عند اصطدامها بأول حاجز سياسي، ما يؤكد عدم جديتها.
لا يمكن أن يتعلق الأمر بصفقة تحت الطاولة، تقول المصادر السياسية نفسها، لأن الأطراف المعنية لا تملك القابلية لذلك، خصوصاً أنها مرتاحة الى أوضاعها على مستوى المنطقة والعالم، لا سيما إيران التي ما زالت صامدة أمام أعتى العواصف السياسية التي تضربها من كل حدب وصوب، فضلا عن أنها لا تعتقد بالتسويات أو الصفقات في صراع يبدو أيديولوجياً واستراتيجياً.
وترى المصادر أن الممر الإجباري لأية "تهدئة" ممكنة وليس "تسوية" لأن لا مجال لتقديم اية تنازلات في اي من الملفات الخلافية، إنما ينطلق من كف اليد عن سورية والمساعدة على إعادة الأمور الى طبيعتها، لتتمكن من تظهير اصلاحاتها التي بدأتها ولتستعاد معها الحركة الدبلوماسية لتنشيط الاتصالات المتوقع أن تبدأ بين حين وآخر، والتي من شأنها أن تحقق تلك التهدئة، في وقت لن يتم التراجع فيه على وجه الخصوص عن قرار طرد الأميركيين من العراق، الأمر الذي خلط الأوراق برمتها.
وتقول المصادر إن لا خيارات أخرى للخروج من النفق المظلم الذي تزيده قتامة تلك التهديدات المتواصلة التي لا تستند الى واقع إلا في حال فلتت الأمور من عقالها وساعتئذ تكون "براقش" قد جنت على نفسها.
تعليقات