اليونيفيل.. من يزرع العبوات؟


اليونيفيل.. من يزرع العبوات؟
البناء 12 – 12 - 2011
محمد شمس الدين

تتوالى الإنفجارات التي تستهدف قوات "اليونيفيل" في جنوب لبنان من دون أن تتوصل الأجهزة الأمنية اللبنانية الى كشف ملابسات او منفِّذي أية عملية، في حين لم تستطع القوات الدولية نفسها القاء المسؤولية على أي طرف لبناني أو غير لبناني ممن يعتقد أنه قادر على تنفيذ مثل هذه الأعمال.

لكن السؤال المطروح دوماً على بساط الأحداث الجارية هو حول من يزرع العبوات لقوات "حفظ السلام"، علماً أن جهات سياسية وأمنية لا تستبعد أن يكون الهدف من ورائها ليس كما يروج، أي الانسحاب من الجنوب حسبما أطل به غير مسؤول لبناني، إنما المطلوب هو استجرار المزيد من القوات الدولية، لا سيما في إطارها "المعزز" الذي حظيت به بموجب قرارات الأمم المتحدة بعد حرب «إسرائيل» على لبنان في العام 2006.

أصحاب هذه النظرية، يرون أن القرارات الدولية، وما يحدث في المنطقة من انقلابات سياسية واجتماعية تدفع باتجاهها بعض دول اليونيفيل الرئيسة، لا يسمح باتخاذ قرارات بالانسحاب حاليا من الجنوب، حيث يشكل وجودها هناك موطئ قدم رئيس للقوى الغربية لا سيما في ظل الانسحاب الأميركي من العراق. في وقت لا تنفك فيه تلك الدول من التهديد كل يوم بالتدخل العسكري خاصة في الأحداث التي تشهدها سورية مع ما يستتبعها من ضغوطات دولية وإقليمية، وتتصدر فرنسا تلك الدول بعد أن "هندست" التدخل في ليبيا سياسياً وعسكرياً وهي تحاول هندسة مثيل له في سورية، لكن ذلك لم يلق تأييدا من العديد من الدول من حلفاء فرنسا باعتبار أن نتائجه غير مضمونة كما كانت عليه الحال في ليبيا، اضافة الى أن كلفته قد تكون عالية جدا من دون أن تتوفر الإمكانيات على اعتبار أن سورية والشعب السوري الذي تناضل الدول من أجل ممارسته للديموقراطية لا يملك ما يكفي لسد احتياجات التدخل المطلوب.

يقول أصحاب نظرية "استجرار القوات" إن الهدف من زرع العبوات واستهداف اليونيفيل لا سيما جنود الوحدة الفرنسية هو الوصول الى قرار دعمها وتعزيزها بوحدات إضافية، كما يفرض ذلك عملا وثيقا على الأرض لكل الأجهزة الأمنية ذات العلاقة من الاستخبارات العسكرية الفرنسية واستخبارات الحلفاء وبطبيعة الحال "إسرائيل" من بينهم، وذلك من اجل تهيئة الأجواء أمام أي قرار مفاجئ من شأنه تنفيذ تدخل عسكري في لبنان إن لم يكن بالإمكان تنفيذه في سورية كخطوة استباقية لما يمكن أن تؤول اليه الأمور هناك.

يرتكز هؤلاء الى الأداء الذي يظهره الفرنسيون خصوصا والأوروبيون عموما وعلى رأسهم بريطانيا في التعاطي مع الأزمة في سورية، والإصرار على إكمال برنامج التحريض على العنف ودعم الجماعات المسلحة ومحاولتهم تظهير دور للمعارضة السورية في الخارج يوحي بالتماسك عبر ما صرح به برهان غليون من موقعه كرئيس لما يسمى بـ"المجلس الوطني السوري"، ودعوته الصريحة الى التدخل العسكري مشفوعا بدعوات عربية على أكثر من مستوى منها ما يتصل بـ"الفتوى" الدينية في محاولة لإعطاء الأزمة بعدا طائفيا ومذهبيا، والدفع بها الى الحرب الأهلية ما يبرر تدخلا من قوى دولية إذ أن القوى العربية غير مستعدة لولوج هذا المعترك.

ويستعيد أصحاب نظرية "استجرار القوات" ما جرى في لبنان سنة 1975 وما رافقه من تدخل للجيش السوري تحت شعار وقف العنف في لبنان وهو ما لا يستطيعه لبنان حيال سورية ولا حتى أية دولة عربية منفردة أو مجتمعة نظرا لحساسية الموقف وتركيبة المنطقة من الناحية الإثنية، إلا أن ذلك لن يكون صعبا تنفيذه على قوات دولية أقله في لبنان في حال اندلعت أزمة جديدة تحتاج تدخلا عسكريا لإيقافها، وبالتالي تفسح في المجال لإحكام السيطرة على مقدرات الأمور في البلد من النواحي الأمنية والسياسية، ما يؤهل لبنان الى لعب دور مغاير لما هو عليه تجاه سورية بحيث تسهل محاصرتها اقتصاديا بشكل فعلي، كما من شأن ذلك تغيير قواعد اللعبة تجاه المنظومة العسكرية والأمنية للمقاومة وحزب الله، الأمر الذي تجمع عليه كل القوى المناهضة لمشروع الممانعة وحلفها القائم في المنطقة.

تسلط العبوات المتكررة ضد القوات الدولية الضوء من جديد على الساحة اللبنانية باعتبارها خصبة جدا لتلقف أي صراع أو ارتدادات لأية أزمة، في حين يرى أصحاب نظرية "استجرار القوات" أن بعض الأطراف تسعى بشكل حثيث وكل يوم لافتعال الأزمات السياسية والأمنية وبث روح الفتنة المذهبية تحديداً من خلال دعم الأبواق التي تصدح على المنابر مهددة باستخدام العنف في سبيل الدفاع عن التاريخ والشرف من دون الارتكاز الى مواطن كقوة حقيقية، والاعتماد فقط على النفخ في البوق المذهبي العاطفي البعيد عن العقل والتبصر.

ويذَكر اصحاب تلك النظرية ما سعت اليه الدول الغربية ابان العدوان «الاسرائيلي» على لبنان والضغط الذي مورس من أجل أن يكون قرار مجلس الأمن الدولي متضمناً بند نشر قوات دولية على جميع الأراضي اللبنانية حيث جرى تقسيم لبنان وفق توزيع الفرق الرئيسة في تلك القوات على مناطق حساسة من الجنوب وحتى الشمال مرورا بالعاصمة بيروت.

من يزرع العبوات؟!.. سؤال يجب التوقف عنده ملياً في ظل الفوضى السياسية التي تعم المنطقة بفعل دولي.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار