تدارك "حافة الهاوية"


تدارك "حافة الهاوية"
البناء 1 كانون الأول 2011
محمد شمس الدين

دخلت المنطقة مرحلة الاستحقاقات المصيرية. فكل ما يحدث يشكل مؤشرا واقعيا على أن الأمور باتت تقف على "حافة الهاوية" ما لم تبرز مؤشرات على الاتفاق على تهدئة "اللعب" أو معالم "تسوية" شاملة على امتداد المنطقة يبدو انها غير متوفرة حتى الآن.

ما وصلت اليه الأمور بين الجامعة العربية وسورية على خلفية استصدارها قرارات بفرض عقوبات اقتصادية على سورية ومحاصرتها تعمل الأجهزة المختصة في الدول المعنية على مواصلة الاتصالات لوضعها موضع التنفيذ، تقول عنها مصادر دبلوماسية انها بداية المشكلة إذا لم يجرِ تدارك تداعيات تلك العقوبات خصوصاً أن فرضها ستكون له تأثيراته على مجمل الحركة الاقتصادية في العديد من الدول في المنطقة نظرا الى ترابط السلسلة الاقتصادية فيها، إضافة الى أن موقع سورية الجغرافي يلعب دورا أساسيا في حصول تلك التداعيات. وفي هذا السياق، تكشف المصادر أن تركيا طلبت ضمنا تعويضات عما سيلحق بها من خسائر جراء تلك العقوبات ووُعدت بذلك عربيا وأوروبيا.

وتكشف المصادر عن ان اتصالات بدأتها المملكة السعودية في محاولة لإخراج الجامعة العربية من المسار الذي وضعت نفسها فيه. في ظل تصاعد التوتر البادي على الحركة السياسية الإقليمية من خلال رد الفعل الإيراني على مجمل التطورات والذي بدأ ينفس احتقانه عبر البوابة البريطانية التي اندفع اصحابها الى تصديق مقولة أن العالم قادر في هذه اللحظة على ممارسة الضغط على المنطقة من دون أن يكون لذلك أية ارتدادات، وهي النظرية التي يتبناها الأميركيون ويحاولون الدفع باتجاهها. لكن لا يخفى على احد الهدف الذي يخدمه هذا التوجه الأميركي الذي يضع في أولوياته تأمين خروج سالم و"مشرف" للقوات المتواجدة في العراق بحلول نهاية العام الجاري.

بيد أن الاتصالات السعودية التي طرقت أبواب دمشق سرا تناقش من جديد امكانية التوصل الى اتفاق بالحد الأدنى يخفف من حالة التوتر القائمة عبر اعادة تنشيط الاتصالات السعودية – الإيرانية من خلال البوابة السورية التي تصر عليها طهران، مع ملاحظة أن المملكة تضغط باتجاه أن يصار الى تنفيذ خطوات اصلاحية "صلبة وواضحة" من قبل القيادة السورية في الداخل تشكل مخرجا للأزمة العربية التي خلقتها سياسة الجامعة، فيما تقول المصادر إن الرياض تغمز من قناة تحميل المسؤولية لدولة قطر و"المهندس" حمد بن جاسم حول ايصال الامور الى "عنق الزجاجة".

ما تشير اليه المصادر الدبلوماسية ايضا هو أن التصعيد البريطاني لا يعتبر واقعيا لا سيما وأن لندن تعاني الكثير الأزمات الاقتصادية التي باتت تهدد موازنات الدولة، إذ إنها بدأت تنفيذ برامج خفض النفقات التي طالت أكثر المواقع حساسية إن على مستوى الأمن الداخلي وأجهزة الاستخبارات أو على مستوى إنفاق وزارة الدفاع وما يعنيه ذلك في المعادلات العسكرية. لكن يجب الالتفات والتوقف عند السياسة التي تتبعها دول أوروبا في الفترة الأخيرة انطلاقا من احداث المنطقة وهي تتمثل بالميل الى "تأجير" جيوشها عبر افتعال الأزمات والحروب والتدخلات العسكرية لما يؤمنه ذلك من مداخيل تصل الى مليارات الدولارات إن في موضوع كلفة التدخل أو على مستوى انعكاساته على سوق السلاح وبيعه الى الدول الرازحة تحت ضغط الحاجة اليه.

ما قالته إيران عبر تحرك شبابها الجامعي هو رسالة واضحة الى بريطانيا وعموم أوروبا اضافة الى الولايات المتحدة، مفادها أنه من غير المسموح التمادي بالتطاول أكثر من ذلك. ويتحدث الإيرانيون هذه الأيام عن تجربتهم ويقولون إنهم يعانون مما يسمونه "مراكمة التعبئة" التي باتت تحتاج الى "تنفيس". في حين أنهم يرون أن العالم غير مدرك في الواقع أن اكثر الدول في المنطقة لا بل في العالم استعدادا لخوض المواجهات هي الجمهورية الإسلامية في إيران بالرغم من كل ما يحكى عن أزمات تعيشها في الداخل وتحديدا على المستوى الاقتصادي، لكن "الجهوزية" تعتبر كاملة في حسابات لا تخلو من معايير اقتصادية قد تؤمنها لها أيضا اية مواجهة قد تخاض على مستوى المنطقة. كما يقارن الإيرانيون بين ما يمكن أن تتحمله إيران في اية حرب وما يمكن أن يتحمله الآخرون منفردين أو مجتمعين من دون أن يستطيعوا ضمان نجاحهم وانتصارهم وتحقيق أهدافهم.

الضغط الدولي – "العربي" - التركي باتجاه سورية وإيران وبينهما لبنان لا يمكن أن يحقق أهدافه "تصادميا"، وهو ما تريده "إسرائيل" تحديدا، على أن يخاض الصدام دوليا أو عربيا أو تركيا وبعيدا عنها بعد فشلها في المحافظة على صورتها عبر سلسلة من المواجهات التي خاضتها أخيرا في المنطقة لا سيما مع حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، ناهيك عن فشلها في الحرب الدولية على الملف النووي الإيراني الذي لم يعد بالإمكان الرجوع فيه الى الوراء بعد ما أحرزته إيران من تقدم على مدى أكثر من عشرين عاما من الجهد وصولا الى امتلاكها التكنولوجيا النووية التي تخولها صناعة القنبلة النووية بغض النظر عن وجودها أو عدمه.

إذا صحت المعلومات عن السعي السعودي الى استعادة الإمساك بالملفات عبر سحبها من "المهندس" ودولته الصغيرة وإعادة فتح قنوات الاتصال مع إيران عبر البوابة السورية، فإن الأمور قد تكون خطت خطوتها الأولى نحو التخفيف من التوتر بالحد الأدنى، وربما ايقاف الأوضاع على حدود الهاوية بدل الوقوع فيها، وهو أمر ليس بالمستبعد بما هو معروف عن ملك المملكة السعودية الذي ينزع بطبعه نحو السلم ورفض الفتن لا سيما المذهبية منها، الأمر الذي تسعى طهران من ناحيتها الى إبعاد شبحه عن شعوب المنطقة أيضا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار