لا اكثر ولا اقل!


لا اكثر ولا اقل!
5 كانون الأول 2011
محمد شمس الدين

يعرف النائب وليد جنبلاط جيدا أن ما يدور في سوريا لا مكان "للشبيحة" فيه، كما يعلم ان ما يدور هناك هو قتال بين الحكومة السورية ومجموعات من المسلحين يسعون للحصول على السلطة بدعم دولي، وأن "الاستاذ" برهان غليون يترأس بعد كلامه الأخير لصحيفة أميركية إدارة المشروع المناهض للحكومة سياسيا وهو سعى من موقعه الجديد الى الإتصال بقواته العسكرية من ما يسمى بـ"الجيش الحر" من أجل تنسيق الخطوات فيما يشبه كبان منظم تحتاجه الحملة العربية – الغربية على سورية وهو ما عبرت عنه في غير مناسبة.

ما قاله جنبلاط لا يخلو من الخطورة إذ تضمن تحريضا على انشقاق الجيش في سورية وهو بادر من جهته الى اعطاء الشرعية للمنشقين، ودعا "أهلنا في جبل العرب" الى عدم الإنجرار الى ما يُدعون اليه من قبل الشبيحة، في حين أن ما حاول ايضاحه بالتمييز ما بين الجيش ومن أسماهم بـ"الشبيحة" ليسوا سوى قوة واحدة في مواجهة عصابات القتل المنظمة التي تتخذ من حمص موقعا لها.

في الحقيقة لم يكن ما عبر عنه جنبلاط مفاجئا أو مغايرا لقناعاته لكنه نطق بها هذه المرة إذ ان زعيم المختارة كان حكم بأن سورية لن تستطيع الإفلات من الشرك الذي نصب لها وهو ما اقنعه به غير مسؤول دولي ممن التقاهم إضافة الى الدور الذي لعبه مهندس علاقات جنبلاط بعد عودة اللقاء بينهما النائب مروان حمادة الذي أعاد تقديم وليد جنبلاط الى بعض الأصدقاء في الخليج وأوروبا، عدا عن القنوات الأميركية الأمنية والسياسية بعد "غلطته" الأخيرة بالخروج من 14 آذار وما ادى اليه ذلك من تغيير في موازين القوى أفضى الى التغيير الحكومي في لبنان.

لكن ما أربك وليد بك على ما يبدو هو صمود الحكومة السورية في وجه الضغوطات الهائلة وقدرتها على التعاطي معها متجاوزة ما يحصل في الداخل السوري الذي لم يكن لبنان يوما مفصولا عنه ومن خلال ذلك فإن لكلام جنبلاط وقع كبير في سياق ما يجري على الأرض، الأمر الذي يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار لما يشكله من نقطة تحول في مجرى الأحداث حيث أنه يعتبر التحريض الاول من نوعه على هذا المستوى من قيادي لبناني محسوب على فريق الأكثرية والذي من المفترض أن يكون حليفا لسورية معه، إلا أنه يستغل هذا الموقع لتغطية "تلطيشاته" بغطاء الحرص على مصلحة سورية التي رفضت بحسب بعض الأوساط اعطاءه موعدا لمقابلة مسؤوليها بعدما ثبت لديهم بالوجه الشرعي بأن جنبلاط لا يؤمن جانبه كما لا يجب أن يمنح الحصانة السياسية بفتح الابواب له لينطلق بعدها "ينفث سمومه"،على ما قالت الأوساط.

في المؤتمر الصحافي الذي عقده بالأمس واطلق فيه الكلام حول سورية استخدم وليد بك اسلوبه المكشوف نفسه في التخفيف من حدة الأزمة التي نشأت على خلفية دفع حصة لبنان في المحكمة الدولية والتي كان موقف حزب الله تجاهها واضحا عبر كلام أمينه العام السيد حسن نصرالله لجهة رفض التمويل بالمبدأ عدا عن رفض اللجوء الى الاساليب الملتوية تحت عناوين فضفاضة في مقدمتها ما اصطلح عليه بمصلحة لبنان وتقديرها انطلاقا من المصالح الخاصة، إلا أنه من الخطأ الإعتقاد بأن ما قصده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو ذلك، من دون التيقن بأن رؤية هذا الأخير وتقديره لتلك المصلحة لا يتطابقان مع من يفترض انه رئيس حكومتهم من الأكثرية التي سمته.

أخطأ جنبلاط عندما اعتبر أن ما قاله السيد نصرالله يندرج في إطار السجال مع رئيس حزب المستقبل سعد الحريري، لأن الأمور على ما يعتقد مسؤولون في حزب الله قد خرجت الى مواقع "الإحتراب" السياسي الحقيقي في ظل المواقف المعلنة من قبل الفريقين والذي لا يمكن لوليد جنبلاط أو غيره ممن هم في السلطة أو خارجها ويعملون على تدوير الزاويا عند كل أزمة مثلما حصل في موضوع التمويل أن يستمروا باللعب في المساحات الضيقة تحقيقا لربح من هنا أو دور من هناك.

يقول المسؤولون في حزب الله إن الرهان على منطق تدوير الزاويا لم يعد ينفع، وإن الكلام الذي أعلنه السيد في كلمته الأخيرة والتي رد فيها على موضوع التمويل كان واضحا لجهة التعاطي مع هذا الأمر الذي يعتبرالحزب ان فيه صفقة "دبرت في ليل"، مشيرين الى أن اتهام الحزب بإملاء الشروط على الحكومة و رئيسها هو كلام فارغ فحزب الله جزء اساسي في الحياة السياسة اللبنانية ومن حقه رفع صوته باي مطلب يراه مناسبا كما من حقه الإعتراض على اي أمر يمس جوهر القضايا التي يقاتل من اجلها إضافة الى أن من همومه المحافظة على مصالح الناس ومنع أي كان من سرقة وتبديد اموالهم.

يعتبر هؤلاء المسؤولون ان رئيس الحكومة قد فتح معركته مع الذين اتوا به الى السلطة فالسؤال المطروح حاليا يدور حول ما يمكن أن تحققه هذه الاخيرة بعدما ثبت أن معظم المشاريع الانمائية والاصلاحية التي طرحت على طاولة مجلس الوزراء لم يمرر منها شيئ بفعل سياسة رئيسها وتسويفه، في وقت يطرح السؤال ايضا حول ما يمكن أن تقدمه الحكومة على المستوى "السياسي" في ظل تمريرة التمويل الذي لم يعتبر يوما الا قضية "سياسية" كان رئيس الحكومة غير منسجم فيها مع التوجه "السياسي" المبدأي للأكثرية.. لا أكثر ولا أقل.       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار