إحباط "لو فيغارو"


إحباط "لو فيغارو"
البناء/19-كانون الأول-2011
محمد شمس الدين
سيناريوهات سخيفة تطل برأسها بين الحين والآخر عبر صحف خارجية دأبت على فبركة الأحداث بعد تخيلها أو الإيحاء بها على الأرجح، ومن ثم نشرها تحقيقا لأرباح لا تستطيع "الحرية" الصمود أمام إغراءاتها.
ما خرجت به "لو فيغارو" الفرنسية اخيرا حول اغتيال القائد العسكري في المقاومة عماد مغنية من قبل ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري لا يمكن أن يصدقه إلا سخيف أو ناقص عقل، وفي الأعم الأغلب، بسيط الى حد السذاجة، في حين أنه لا ينم أصلا عن اطلاع ومعرفة لا بدقائق الأمور وتركيبتها ولا حتى بمعرفة عموميتها، لأن ما قالته وسيلة الإعلام الفرنسية يبدو واضحا لناحية تركيبته الضعيفة من حيث الشكل ومن حيث المضمون.
أول ما يلفت النظر هو التركيز على حالة "الإحباط" التي قرأتها الصحيفة في حال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لاسيما في إطلالته الأخيرة في ذكرى عاشوراء مطلع الشهر الجاري، ليُطرح السؤال فورا عن مدى الأثر الذي تركه على الأعداء وقراءتهم لتلك الإطلالة التي على ما يبدو أرعبتهم فعلا، كما أحبطت عملاءهم أو حلفاءهم في الداخل اللبناني الذين لم يكونوا ليتوقعوا مثل هذا الخروج والوقوف لأمين عام حزب الله أمام مئات الآلاف وتحت أعين طائرات الاستطلاع "الإسرائيلية" التي لم تبارح سماء لبنان في ذلك اليوم.
لقد تحدثت وسائل الاعلام "الإسرائيلية" مطولا عن إطلالة السيد نصرالله وكتب محللوها عن حجم التحدي الذي طرحته على أجهزة الإستخبارات "الاسرائيلية" وما أصابها من احباط تحدث عنه أكثر من ضابط كبير سابق في الجيش ومخابرات العدو، عدا عما أوردته في حينه صحيفة "هآرتس" "الإسرائيلية" أنّ إطلالة السيد نصرالله العلنية، التي وصفتها بالنادرة، مركّزة على ما أكده السيد من أنّ "حزب الله مستعدّ لمواجهة "إسرائيل" وأنه يزداد عدداً وسلاحاً يوماً بعد آخر". وفيما لفتت الصحيفة إلى أنّ السيد نصرالله كان يتحدث أمام آلاف المناصرين، وأشارت إلى أنّ إطلالة السيد العلنية الأخيرة تعود إلى العام 2008، لكنها لم ترتق إلى هذه الإطلالة، أوضحت أنّ السيد نصرالله شوهِد للمرة الأولى بين الناس في الضاحية الجنوبية قبل أن يحيي الجماهير من على المنبر. وبرأي الصحيفة "الإسرائيلية"، فإنّ إطلالة السيد نصرالله هدفت إلى توجيه رسالة "ثقة" للرأي العام، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهد العديد من الثورات في المنطقة، ولا سيما في سورية، التي تشكّل مع إيران قوة حزب الله.
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" فقد أفردت حيّزاً واسعاً من تغطيتها لإطلالة الأمين العام لـ حزب الله، إذ ذكرت أيضاً أنّ هذه الإطلالة هي الأولى للسيد نصرالله منذ العام 2008. وتوقفت عند قول السيد نصرالله أنّ إطلالته هذه هي بمثابة رسالة لكلّ من يتوهّمون أن باستطاعتهم تهديده أو إخافته.
وأشارت إلى أنّ الجماهير، التي حيّت السيد نصرالله وهتفت له، صدحت بصوت واحد قائلة: "الموت لإسرائيل". وذكرت "يديعوت" أنّ السيد نصرالله عاد وأطلّ على الجماهير بعد مغادرته الساحة من خلال كلمة مسجّلة، علماً أنّ الكلمة كانت مباشرة وقد تفاعل مع الحضور بشكل لافت.
أمام هذا الكلام يسقط كلام "لوفيغارو" حول الإحباط، في حين أن هدف وسيلة الإعلام الفرنسية من تسويق هذه الأفكار لم يكن فقط للتغطية على ما أحدثته إطلالة السيد من احساس بالفشل لدى أجهزة الإستخبارات "الإسرائيلية"، بل أيضا وبما تضمنته من دس، يهدف الى إثارة النعرات من خلال الحديث بشكل "حاسم" عن أن من اغتال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق هو عماد مغنية من دون علم السيد نصرالله وبهذا تأكيد جديد أيضا على الاتهام السياسي الذي تتبناه المحكمة الدولية الخاصة التي حصلت على ما تريده من أموال تعود للشعب اللبناني لا يحق لأحد التصرف بها حتى ولو كان في موقع رئيس الحكومة.
اوردت الصحيفة الفرنسية أن "مغنية خان نصرالله واغتاله بعد ذلك ماهر الأسد". جميلٌ هذا الخيال الذي يخاطب صناعة السينما اللامنطقية في هوليوود ففي الوقت الذي يتجه فيه الإعلام الى لعب دور العاكس للواقع كأبرز تطور قد يبلغه، انبرت "لوفيعارو" الى إدراج الأمر على طريقة "لعب الأطفال". فمن اغتال مغنية المخابرات "الإسرائيلية" وهو ثمرة جهود مشتركة وتعاون بين الموساد وجهاز المخابرات المركزية الأميركية وبالتعاون مع عدة أجهزة استخبارات عربية وهذا ما توصلت اليه التحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن السورية بالتعاون مع الإستخبارات الإيرانية وجهاز أمن حزب الله الذي تعهد أمينه العام بالرد، إلا أن المعنيين قد تريثوا بالإعلان عن نتائج تلك التحقيقات بانتظار اكتمال فصولها ومراعاة لبعض الجهود التي كانت تبذل في المرحلة الماضية لرأب الصدع في العلاقات العربية – الإيرانية من جهة وتحديدا في ما يخص الأزمة اللبنانية التي كان ملفها قيد البحث عن تسوية تخرج البلاد منها.
ما قالته "لوفيغارو" إنما هو تخبط بحد ذاته لمن زودها بالمعلومات المغلوطة وهي تؤكد فشل هؤلاء وعدم قدرتهم على اختراق ما فعله حزب الله بعد تغيير كل قواعد عمله وإعادة تركيب مفاصله والإبقاء عليها على درجة عالية من السرية كما كانت قبل انفلاشه بعد الـ 2006، إضافة الى ما عكسه كلام السيد نصرالله عما بلغه حجم الحزب العسكري، ولعل المراقبين لا سيما منهم العسكريين قرأوا بأن السيد كشف معلومات عسكرية لأول مرة عن ترسانته من الصواريخ عندما أشار اليها بالإسم.. فإذا تكلم السيد صدقوه، فالصدق في ما يقوله السيد.. وهذا ما يفعله "الإسرائيليون".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار