فشل الحرب الدولية على سورية

فشل الحرب الدولية على سورية
 يرفع من اسهم حرب "إسرائيلية"
 


محمد شمس الدين
كرر العالم حربه التي شنها على لبنان في العام 2006 في سورية، التي تتعرض منذ أكثر من خمسة أشهر الى حرب شرسة لم تستخدم فيها طائرات "إسرائيل"، إنما استخدمت فيها اسلحة الفتنة التي قد تكون أمضى من أي سلاح آخر، في ظل تداعيات متعددة في المنطقة لا يمكن حصر الأضرار الناجمة عنها.
إنها حرب دولية على سورية بكل المقاييس، لكنها فشلت كما فشلت في لبنان، ويجب أن يتحضر العالم لحصد نتائج فشله كما فعلت "إسرائيل" والولايات المتحدة بعد وقف العمليات العسكرية "الإسرائيلية" في 14 آب من العام 2006، فهل تتزامن التواريخ؟.
هذه الحرب على الأرجح ستستكمل، إذ أن العالم المختبئ خلف بعض الجماعات التي يسلحها في سورية ويقول عنها إنها الشعب السوري، ويدافع عنها باعتبارها مدنية، لا يمكن أن يسكت على صفعة اخرى قد تكون تداعياتها أشد عليه من نتائج حرب "إسرائيل" على لبنان، حيث لم يستطع القضاء على حزب الله ولا نزع سلاحه ولا تحقيق اي مكسب سياسي من كل ما افتعله من أزمات، بدءا من ارتكابه جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي جعل منها مطية لمشروع متكامل لم ينته فصولا حتى الآن.
الأخطر في ما يقدم عليه الغرب في حربه العالمية، هو توظيف تركيا في مشروع حتى هي لن تستطيع السير به، وجل ما تفعله هو التهديد والوعيد بما ينسجم مع المواقف الحادة التي يتخذها العالم حيال الأوضاع في سورية، غير ان مكمن الخطر الحقيقي يبقى في أن تقدم "إسرائيل" على فعل ما خلال الفترة المقبلة، ولا سيما أن تهديداتها التي تولت تسويقها أكثر من جهة في لبنان وخارجه، إنما تؤشر الى نوايا مبيتة لشن حرب عسكرية، قد لا تتجرأ "إسرائيل" عليها في سورية، بل ربما تعاود الكرة في لبنان رغم ما لاقته في تجربة سابقة(2006)، فإنه يبقى أهون الشرور انطلاقا من الخيارات المتاحة.
نقلت إحدى الصحف اللبنانية الأسبوع الماضي عن مصدر دبلوماسي غربي في بيروت، أنه يتوقع أن تشن "إسرائيل" حربا جديدة على لبنان، قال إنها ستكون عملية عسكرية واسعة النطاق مستندا الى معلومات تتداولها بلاده، وقد حدد الدبلوماسي ايلول المقبل موعدا لها، غير أن ما قاله الدبلوماسي لا يمكن وضعه إلا في خانة التهديد ورد الفعل على فشل برامج دولته وحلفائها، ولا سيما ان المعلومات من سورية تفيد أنها خرجت من دائرة الخطر الامر الذي يبعث الإحباط لدى أطراف الحرب الدولية على سورية نتيجة فشل رهاناتهم، في حين ان ما خرج به الملك السعودي لا يفسر إلا ضمن هذا المنحى.
توافق مصادر دبلوماسية شرقية على نظرية فشل المخطط الغربي في تطويع سورية، وبالتالي هي أيضا لا تستبعد أن يجري اللجوء مرة أخرى إلى "إسرائيل" لممارسة مزيد من الضغوط على لبنان من خلال التهديدات، قبل الوصول الى الحرب العسكرية المباشرة، التي إذا حصلت، فإنها فعلا ستكون واسعة النطاق، ليس على المستوى اللبناني فحسب، وإنما على مستوى المنطقة بعدما ظهرت على ما هي عليه من فرز إضافي على ذلك الذي انتجته الحرب على لبنان في الـ 2006، حينها لم يكن موقف تركيا مثلا مثلما هو اليوم، بالرغم من ثقل وزن الموقف العربي الذي ساهم في تلك الحرب على لبنان بالمال والموقف الداعم لفكرة القضاء على حزب الله، إلا أن الموقف التركي كان في حينه متزنا ولم يدخل مباشرة الى عمق تلك المؤامرة، في حين أنه يشكل اليوم رأس الحربة في مشروع الحرب الدولية على سورية.
وتؤكد المصادر، على أن الوضع خطير ودقيق، بحيث أن اي موقف خاطئ قد يؤدي بالمنطقة الى حرب مفتوحة ومدمرة لن تقتصر على سورية ولبنان فقط، وإنما ستدفع بالدول التي توصف بالممانعة الى أن تهب دفعة واحدة للدفاع عن نفسها لأن المسألة بالنسبة اليها ستكون حربا "وجودية".
لا تنفي المصادر الدبلوماسية الشرقية قلق مجموعة الدول الغربية من انفلات الأمور من عقالها، وهي عند كل مفترق تعود لترى في العامل "الإسرائيلي" مخرجا "مشرفا" لإخفاقاتها، إلا انها لا تستطيع أن تبقي الحال على ما هو عليه خصوصا وأن المستفيد الأكبر من كل تلك المشاريع هو "إسرائيل" التي تخاض الحروب جميعها من أجلها ولتبديد قلقها الذي لم يهدأ، منذ شعرت أنها مهددة استراتيجيا بعد فشل حربها على لبنان في الـ2006.
ما يحصل في سورية هو عقاب لها على مواقفها الممانعة وخاصة موقفها من تلك الحرب، فهي بالتالي ما خرجت من لبنان بفعل قرار دولي إلا عادت سريعا اليه ـ ولو سياسيا ـ عبر ما حققه حليفها الاستراتيجي ـ حزب الله ـ في مثل هذا التاريخ في الـ2006، ليعود العامل "الاسرائيلي" الى البروز مجددا وعلى مستوى لبنان حصرا، في محاولة جديدة لكسر حلقة القوة والتصلب تمهيدا لاتفاقات جديدة تضمن بعض المكاسب في الصراع الكبير الذي تخوضه المنطقة منذ أكثر من نصف قرن حول فلسطين، والذي فشلت كل المشاريع المتعلقة به بعدما سيطرت فكرة المقاومة على عقول شعوب المنطقة، ما فرض منطق إزالتها باستخدام القوة العسكرية الدولية.
كل ما يحصل في المنطقة هو أفعال ارتدادية لما حصل في الـ2006، إذ أنه غيّر وجه المنطقة وحرف الصراع عن المسارات التي جهد العالم منذ حرب الـ1973 ان يرسمها بين العرب و"إسرائيل" لرسمها من جديد ضمن آليات تُغيّر من اصل فكرة الصراع، وهو الأمر الذي سيستمر ولكن بعد إعلان دمشق أنها عادت الى ممارسة امورها بشكل طبيعي قريبا.

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار