تطورات سورية وانعكاساتها على لبنان
تطورات سورية وانعكاساتها على لبنان
البناء 1 آب 2011
محمد شمس الدين
تؤكد المعلومات الواردة من سورية أن الأوضاع باتت بحكم المنتهية على الصعيد السياسي، بعد بروز عدة إشارات من دول غربية معنية حول ما يجري فيها من "فورات" أمنية وشعبية خارج إطار الإصلاحات المنشودة، التي تسعى الحكومة الى تطبيقها منذ أكثر من ثلاثة أشهر وهي تسير بثبات باتجاه تحقيق هذا الهدف.
الإشارات التي برزت من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا إضافة الى بعض المواقف العربية قبل الأمس، إنما تعبر عن سلوك غربي مغاير لذلك الذي انطلق مع انطلاقة الحوادث الأمنية في سورية التي رفعت شعارات "حق أريد بها باطل" يضاف اليها الموقف الأساسي الذي عبرت عنه ألمانيا من خلال موفد وزارة خارجيتها الى دمشق الذي اجتمع بأطراف حكومية ومعارضة على حد سواء، ووجه نصيحة الى المعارضة بان تنظر بإيجابية الى ما تقوم به الحكومة من إصلاحات. إلا أن المواقف التي ظهرت بعد ذلك وتحديدا على خلفية حوادث حماه هي لذر الرماد في العيون إذ إن الاتصالات جارية على قدم وساق مع الحكومة السورية لإنهاء الوضع بأقل الخسائر الممكنة وضمن مخارج مشرفة لمن تورطوا بالأحداث مراهنين على دعم لم يستطع الوصول.
هذه المواقف وغيرها وما عبر عنه الرئيس السوري بشار الأسد أمام زوار التقوه أخيرا من أن الأوضاع في سورية بدأت تميل الى الهدوء، وأن الحكومة بدأت تحكم سيطرتها على الموقف لا سيما وأن القوات المسلحة من مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بمواجهة "منطقية" وضمن السقف المرسوم ضد الأطراف التخريبية المسلحة، فضلاً عما تنفذه الحكومة من برامج إصلاحية هي في صدد إطلاقها الواحد تلو الآخر، تؤكد المنحى الذي يقول إن سورية خرجت من دائرة الضغط الدولي على الاقل وتوجهت الى الحسم في الداخل بوتيرة أشد وأسرع من السابق انطلاقا من حسابات أظهرت قوة التأييد للنظام لدى مختلف شرائح المجتمع.
لا يمكن في هذا الإطار إغفال تقارير الصحافة وجمعيات حقوق الإنسان وغيرها من المهتمين بإدانة الحكومة السورية، أو من أولئك المدافعين عنها، الذين اعترفوا بأن منسوب التوتر قد خفّ بشكل ملحوظ في معظم المدن السورية، وأن حركة الاحتجاجات بدأت تتراجع خصوصاً خلال يوم الجمعة الأخير من الأسبوع الماضي، والذي سمي بجمعة "صمتكم يقتلنا"، في دعوة تحريضية صريحة تستبطن اعتراف من أطلقها بأنه يعترض على خفوت الأصوات الدولية التي كانت تحرضه في الأصل منذ أن طلبت منه التحرك والاحتجاج على أمل انتقال عدوى ما يجري في بعض الدول العربية الى أرض الشام.
تعتمد الحكومة السورية على سياسة الصبر في التعاطي مع المحتجين وذلك بناء على أوامر صارمة أصدرها الرئيس السوري بشار الأسد الى كل الأجهزة الأمنية تقضي بتلطيف التعامل مع مثيري الشغب، ولو كلف ذلك غاليا في عداد الجيش والقوى الأمنية على الأرض، انطلاقا من تحسسه أن مكيدة يعدها الغرب لتثوير العالم والتدخل تحت شعار حماية المدنيين كما فعل في ليبيا. علما أن التقارير التي تصدر من هنا وهناك عن مراكز ولجان حقوق انسان يبدو انها دخلت في دوامة الكذب والتزييف بعدما انكشفت ادعاءاتها حول سقوط قتلى بالعشرات، في وقت أقدمت فيه الجماعات المسلحة على قتل عناصر قوات حفظ النظام في سورية لدى تصديها لشغبهم بإحراق مراكز للشرطة في حماه أمس وإقفال مداخل المدينة ومنع الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية.
ما يحصل اليوم في سورية على قساوته، ليس سوى لفظ الأنفاس الأخيرة لتلك العصابات التي تحاول تصعيد الوضع الأمني بما يخدم منطق استجرار التدخل، خصوصاً أنها تخشى مواجهة السلطة وقضائها في حال استتباب الأمن باعتبارهم خارجين على القانون.
ما تميل اليه سورية على صعيد عودة الأمور الى نصابها في وقت بات قريبا بحسب مصادر سورية مطلعة على مسار الحوادث، إنما يترافق مع تصعيد من نوع آخر على الأراضي اللبنانية. فما يخشى منه بعض السياسيين من انعكاس الأوضاع المتوترة في سورية على لبنان لا يبدو أنه صحيح، بينما يجب عليهم أن يخشوا من تداعيات خسارة الأطراف المراهنة على إحداث تغيير في سورية بما يتلاءم مع مصالحهم ومشاريعهم، لأنها عندما تفشل سيفقدون آخر رهاناتهم في تطويع المنطقة لإرادتهم السياسية والأمنية.
ما يحصل من خروق أمنية على الساحة اللبنانية، وعلى عكس ما يسوق له من مخاوف لارتدادات الوضع الامني السوري عليها، لا يعدو كونه رد فعل على مؤشرات استتباب الوضع في سورية وعودة السيطرة الحكومية على مقدرات الأمور فيها. فالحوادث الأخيرة التي جرت في أكثر من مكان لا سيما استهداف القوة الفرنسية العاملة في إطار "اليونيفيل" في جنوب لبنان، إنما يحمل في طياته رسالة الى الحكومة الفرنسية الراعي الأول لمسيرة التخريب في سورية، التي بقيت مواقفها بعيدة نسبيا عن نظرائها في بريطانيا والمانيا والولايات المتحدة.
بمعنى آخر، فإن استتباب الوضع في سورية سيدفع بالأطراف المتضررة منه الى تحريك كل آليات الضغط على لبنان سياسية كانت أم امنية، والأدوات في هذا المجال كثيرة جدا، تبدأ بالمحكمة الدولية وقد لا تنتهي بزرع العبوات وتنفيذ الاغتيالات لإغراق البلد في أتون الفتن التي تتحدث عنها غير شخصية لبنانية، وتهدد الحكومة اللبنانية وتتوعدها كل يوم بإجراء جديد يهدف الى إعاقتها وصولا الى إسقاطها.
تعليقات