فشل المواجهة من دون إجراءات حاسمة
فشل المواجهة من دون إجراءات حاسمة /
محمد شمس الدين /
سيناريوهات عديدة تطايرت عبر وسائل التواصل
الإجتماعي وكتابات بعض الصحافيين سوَقت للآتي الأعظم. هذه السيناريوهات استفادت من
الحالة المزرية التي وصلت إليها الأمور في لبنان على الصعيدين المالي والإقتصادي
لترسم أفقا سوداوياً يصل إلى حد يظهر مستقبلاً مرعباً للبلد وأهله.
تلك السيناريوهات سهَلت بشكل أساسي زعزة
الإستقرار النفسي للمواطنين الذين خسروا إلى أموالهم بفعل السياسات النقدية
المفتعلة، أعمالهم وأرزاقهم نتجية تفشي وباء كورونا الذي جمَد الحركة الإقتصادية
على امتداد العالم بنسب مختلفة.
عودة التحركات الشعبية الأخيرة الى الشارع
والتي رُدَت إلى الإنخفاض الحاد لسعر صرف الليرة قياساً على الدولار الأميركي ما
يزيد من حدة الأزمة المعيشية، إنما يندرج في إطار الأزمة السياسية المتصاعدة
تدريجاً، والتي بلغت أوجها مع استقالة الحكومة السابقة التي كان يرأسها سعد
الحريري. إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم تمكن الحكومة الحالية من مواجهة
الأزمة بكل مستوياتها بالرغم من الإعتراف بأنها ليست هي المسؤولة عن النتائج التي
وصلت إليها البلاد، لكن ذلك لا يعفيها والأطراف التي تدعمها من مسؤولية الإخفاق في
المعالجة، ناهيك عن ما وجدت نفسها أمامه، ربما، من ضرورة التماهي مع التجاذبات
السياسية في الكثير من القرارات التي اتخذتها وليس آخرها التعيينات في وظائف الفئة
الأولى في الإدارة.
من جملة الأداء الخاطئ الذي مارسته هذه
الحكومة وتحديداً رئيسها هو الأسلوب الذي أفضى إلى الإبقاء على حاكم المصرف
المركزي في منصبه بالرغم من قناعة الجميع بمسؤوليته عن التدهور المالي الحاصل من
ناحيتين، الأولى: "سياسية" وما تتضمنه من ارتباطات مشبوهة، والثانية: إدارية
وما انطوت عليه من "هندسات مالية" فاشلة ومشبوهة أيضاً. لم تكن كل
المبررات التي قدمت على "مذبح" بقاء الحاكم في مركزه مقنعة، إلا أنها
جاءت لتخدم مصالح المستفيدين من استمرار وجوده ولو مؤقتا بهدف كسب الوقت لترتيب
كامل الملفات السياسية والمالية قبل خروجه. وفي هذا كان السقوط الأول لرئيس
الحكومة حسان دياب في إظهار قدرته على الصمود في وجه العواصف السياسية التي كانت ظاهرة
في أفق ولايته الحكومية، إلا أن تجاهلها أو عدم وجود تصور لديه لمواجهتها يرسم
الكثير من علامات الإستفهام حول مقاصده من تولي هذا المنصب.
من المؤكد أن ما وصل إليه لبنان من انهيار
ليس وليد الصدفة وإنما هو بند من بنود الحرب التي تشن على المنطقة برمتها وليس على
هذا البلد وحده، فيما أن السيناريوهات التي تحدثنا عنها آنفا هي وجوه متعددة لمخطط
مشروع "الشرق الأوسط الجديد" والذي يعتبر الثابت الوحيد في الأجندة
الأميركية – الإسرائيلية منذ أربعة عقود من الزمن وليس آخر مندرجاته ما يحضره
الكيان الصهيوني لضم الضفة الغربية في فلسطين المحتلة.
في ما يتعلق بالشق اللبناني، فإنه يبدو أن
الأمور تسير وفق ما هو مخطط أميركيا. لقد استطاعت سياسة الإدارة الأميركية عبر
عملائها اللبنانيين إلى إيصال لبنان إلى حافة الهاوية بعدما فشلت في تحقيق هدف ضرب
حزب الله كمرحلة أولى ممتدة منذ عام 2000 على الأقل تاريخ دحر الإحتلال الإسرائيلي
من جنوب لبنان وصولاً إلى حرب 2006، لتفشل بعد ذلك في إسقاط الدولة في سورية
برئاسة الرئيس بشار الأسد، بالحرب الدولية التي شنتها عليه في نهاية العام 2010
وما زالت مستمرة في بعض المناطق على الجغرافيا السورية.
فشل أسلوب الإدارة الأميركية بالتعامل مع
الساحات في المنطقة كل على حدى والذي اعتمدته بعد غزوها العسكري للعراق واحتلاله
عام 2003، دفعها إلى الإنتقال إلى طريقتها الجديدة في اعتبار حربها على المنطقة هي
واحدة، وفي هذه الحالة لا يمكن اعتماد الحرب العسكرية على أهمية استخدامها، لأن
كلفتها ستكون عالية وليس بإمكانها أن تتحملها في ظل مشهد ضبابي لا يضمن الفوز،
فلجأت إلى حرب الإفقار والتجويع وسرقة المدخرات وضرب الأسس الإقتصادية لدول
المنطقة لإخضاعها دفعة واحدة.
توقيت "17 تشرين" في لبنان فرضته
سياسة أميركية – إسرائيلية مأزومة على أبواب انتخابات مفصلية في الولايات المتحدة.
لكن ما فرض أسلوب "الهجوم الجماعي" الأميركي – الإسرائيلي على المنطقة
هو قدرة دول محور المقاومة على التعامل مع الحروب التي شنت "بالقطعة" من
لبنان إلى سورية إلى فلسطين إلى اليمن، ناهيك عن العقوبات المزمنة القاسية على
إيران. وهنا تكمن نقطة بداية أو نهاية المواجهة. فبعد أن بدأت في الثمانينات في
لبنان وجالت في المنطقة، ها هي تعود إليه من أبواب أخرى تجنباً "للحرب
الكبرى" التي بات على الذي سيشنها أن يكون مستعدا للحد الأقصى من الخسائر
المباشرة إضافة إلى الإستراتيجية منها، ما سيغيَر من وجه المنطقة إلى الابد.
لا شك أن لبنان دخل في خضم العاصفة المسماة
"قانون قيصر" ما يقتضي اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل الحكومة وما تضمه من
أطراف سياسية إذا كانت تملك قابلية الإستمرار، كما أن على الأطراف التي تستهدفها
الأزمة الراهنة وتحديداً حزب الله أن تبادر كذلك إلى سلسلة من الإجراءات الجريئة التي
تنطلق من وجع الناس لحمايتهم من مستغلي حراكهم في مواجهة "لعبة سياسية مشبوهة
ودنيئة" لن يتورع أصحابها في الخارج والداخل من استخدام كل ما يقدرون عليه
لحماية مصالحهم حتى وإن كان مدمراً للبلد ومقسماً له.
تعليقات