جبل محسن والدولة برسم "أولياء الدم"

جبل محسن والدولة
برسم "أولياء الدم"
البناء 7 تشرين الثاني 2013
محمد شمس الدين

قد تلخص قضية جبل محسن في الشمال الأزمة اللبنانية برمتها، أو إذا صح القول فإن ما تشهده المنطقة هناك ربما يمكن وصفه بـ"عنق الزجاجة" الذي لن يستطيع تمرير "الحلول" و"التسويات" بـ"تبويس اللحى" على غرار المرات السابقة إذا ما استمر التعاطي مع تلك القضية بما تحمله من مفردات جديدة تؤشر الى انفلات الوضع بشكل كامل على عكس ما نقل عن وزير الداخلية مروان شربل بأن الأمن مستتب في البلاد بنسبة "مئة بالمئة".

ما يخرج على ألسنة ما بات يعرف بـ"قادة المحاور" في طرابلس لا يمكن التغاضي عنه، وهم الذين دأبوا في الفترة الأخيرة على الظهور بلباسهم المدني "النظيف"، والتنصل من مسؤولية ما يرتكب بحق "أهل الجبل" وشبابه وعماله من اعتداءات قاتلة باستخدام الأسلحة النارية وغيرها، مقدرين لمرتكبيها ممن أسموهم بـ"أولياء الدم" ظروفهم متفهمين أوضاعهم وحساسيتها بعد المصاب الذي ألم بهم بحادثتي الإنفجار الإرهابيتين في مسجدي السلام والتقوى في المدينة.

ما تعنيه تلك المفردات وتحديداً "أولياء الدم" لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو أن الأمور متروكة على غاربها بطريقة عشائرية بغيضة تضرب كل أسس الدولة ومؤسساتها كما المجمتع المدني بكل تشكيلاته ما يفسح في المجال أمام ردود الفعل "الثأرية" من قتل وخطف وسرقة وغيرها من الأفعال المشينة.

لم ينبر أحد من السياسيين خاصة أولئك الذين في مواقع المسؤولية الرسمية لا من أهل طرابلس أو الشمال ولا من غيرها، الى استنكار أو إدانة أو حتى الإلتفات الى تلك الألفاظ التي تنتقص من مكاناتهم، وربما يكون أهل المدينة منهم قد لجؤوا الى السكوت بعدما تعرضوا لضغوطات من "أولياء الدم" وانسحبوا من مسؤولياتهم بعدما سلموهم عن سابق إصرار وترصد اسم "الجهة المجرمة" المفترضة قبل أية تحقيقات أو محاكمة وطالما أن أداة الإدانة جاهزة دائما وهي "شعبة المعلومات" التي ما زال المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي يمون بشكل كبير عليها.

"الحصار" المفروض على جبل محسن باسم أولياء الدم في طرابلس ليس سوى قراراً من قادة المدينة الذين باتوا يصدحون بخطابين، الأول علني يطالب بالدولة ومؤسساتها، والثاني تحت الطاولة يحرض على الفتنة عبر استخدام الأهالي المنكوبين بأحبائهم ممن فقدوهم وقضيتهم العادلة بالإقتصاص من المجرمين الذين أقدموا على القتل والتدمير في عاصمة الشمال، الأمر الذي يستدعي السؤال عن المستفيد من الإنفجارين لخدمة أهدافه السياسية بعد سلسلة من النكسات والإخفاقات في لبنان وسوريا التي زج بالكثير من أبناء طرابلس الأبرياء في معاركها تحت شعارات مذهبية.

ما يجب قوله هو أن فرض الحصار على جبل محسن وأهله لن يفيد المحاصرين الحقيقيين الذين لا ينتمون لأولياء الدم الحقيقيين، بل الى مشروع سياسي يهدف الى زرع الفتنة المرشحة للتصاعد انطلاقاً من الشمال وقضية الجبل تحديداً، نتيجة إصرار من بقي من الرعاة الخارجيين للحرب في سورية وتأثيراتها السلبية على لبنان من دون سواه وعلى المستويين الأمني الفالت من عقاله، أو السياسي المفكك من خلال عدم تمكين هذا البلد من تشكيل حكومة فيه تدير الأزمة على الأقل.

ليس عجيباً معرفة أن من يدعم "جبل محسن" سياسياً في مواقفه لن يمكّن الطامحين الى "إزالته" من مكانه من تحقيق ذلك لفرض واقع ديمغرافي جديد في المنطقة يمكن البناء عليه لتغيير موازين قوى مفترضة داخلياً وإقليمياً وربما دولياً بعد دراسات معمقة تناولت إقامة ما يشبه منطقة دولية تخدم أهدافاً استراتيجية عسكرية وأمنية ولو كلف ذلك حرباً. كما أن أهل الجبل أنفسهم لن يتخلوا عن أرضهم ولا ممتلكاتهم بالسهولة التي يتخيلها البعض في حين أن استهدافه ياتي منسقاً بين ما ينفذ من أعتداءات بحقه على الأرض وما تقوم به أجهزة بعض المتنفذين من ما بقي من "الدولة" في لبنان.


  


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار