رفض مقعد.. وخلاف
رفض مقعد.. وخلاف
البناء 21 تشرين الأول 2013
محمد شمس الدين
بالرغم من الإبقاء
على القنوات المفتوحة بين السعودية والولايات المتحدة ولوعلى مستويات عالية فإن
الخلاف يبدو جلياً بينهما وعبرت عنه الرياض من خلال رفضها لمقعد في مجلس الأمن
الدولي تحت حجة "ازدواجية المعايير" التي يعتمدها والدعوة الى إصلاحه
كما الأمم المتحدة.
ربما نسيت المملكة
فجأة جميع الأدوار التي لعبتها من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عندما
تمت ممارسة ازدواجية المعايير في العدوان الذي خاضته "إسرائيل" ضد لبنان
في عام 2006 ووقوف معظم العرب مع "الدولة العبرية" ودعمها بهدف القضاء
على حزب الله وسلاحه ومقاومته وحتى الإلغاء له ولدوره في لبنان وتالياً في المنطقة
لما يشكله من حجر زاوية في سياسة الممانعة التي تقودها إيران وسورية ليس في وجه
إسرائيل وحسب، بل حيال كل المشاريع التي من شأنها التخلي أو الإنحراف عن القضية
المركزية في فلسطين وما تضمه من مقدسات إسلامية ومسيحية على حد سواء.
كما لا يمكن أن
تكون المملكة نسيت القرارات الدولية التي اتخذت بالأمس القريب وكان أحد عرابيها
الأساسيين وزير خارجيتها سعود الفيصل حيال ليبيا وما جرى فيها لإسقاط زعيمها
"المقبور" معمر القذافي، أو حتى في تونس ومصر التي ما زالت تخوض
الصراعات المتتالية داخلياً بما يشكل انعكاساً لخلافات دولية خارجية أبرزها بين
الرياض وواشنطن بعد سلسلة المواقف الأخيرة للولايات المتحدة في موضوع الأزمة السورية
ومحاولة إزالة العوائق أمام فتح طريق التقارب مع إيران.
لم يكن موقف
المملكة موفقاً في مجلس الأمن لناحية المبررات التي ساقتها وفي هذا التوقيت، وذلك
على الرغم من حصول هذا الموقف على تأييد غالبية الشعوب العربية وربما شعوب العالم
التي عانت من ازدواجية معايير منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في الصراعات
التي تخوضها، واستخدام هذه المؤسسات بما يتناسب مع تطلعات ومصلحة وسيطرة الولايات
المتحدة الأميركية و"إسرائيل" في المنطقة وعلى امتداد طول وعرض الكرة
الأرضية، إلا أن السعودية كان بامكانها أن تستغل وجودها في المقعد الذي حصلت عليه
من اجل طرح الصوت عالياً في وضع ملف إصلاح المؤسسة الدولية بجناحيها (الأمم
المتحدة ومجلس الأمن الدولي) بدل السكوت عنه واستغلاله لعقود في أدق الملفات
وأكثرها حساسية كتلك التي تمس حقوق الشعوب بالإستقلال والديمقراطية وفي طليعتها في
أقرب نقطة للسعودية، وهي البحرين التي تشارك الرياض بممارسة القمع فيها من خلال
قوات "درع الجزيرة" التي تشكل ذراعاً عسكرية لقوة إقليمية تقودها
المملكة الخليجية للدفاع عن انظمتها الحاكمة من "مخاطر" شعوبها بالدرجة
الأولى وفق "معيار" واحد، هو البقاء في السلطة الى ما بعد بعد آخر أمير
من السلالة الممتدة على رمل الصحراء في شبه الجزيرة العربية.
موقف المملكة لم
يخرج عن سياق "الحرد" من الإتجاه الذي تسلكه الإدارة الأميركية في
التعامل مع ملفين أساسيين، ولو كانا متصلين ومتقاطعين في الكثير من النقاط، وهما
إيران وسورية، ففي الأول تعتبر الرياض أن التقارب بين طهران وواشنطن سيعيد
الإعتبار لدور إيراني في المنطقة لا يمكن للسعودية الوقوف في وجهه لاعتبارات قد
تبدأ بالإختلاف الديموغرافي والموقع الجيوستراتيجي لكل منهما ولا تنتهي بالصراع
على قيادة العالم الإسلامي من منطلقات مختلفة ربما تمتد الى موروثات تعود جذورها
الى أكثر من 1400 عام تحاول المملكة بثها واستثارتها حالياً في معاركها المفتوحة
التي يتولى إدارتها رئيس استخباراتها بندر بن سلطان، ضد إيران، وسورية، وحزب الله،
وحقوق الشعب البحريني، ناهيك عن القمع الذي تمارسه داخليا ضد قسم كبير من شعبها في
مناطق محددة.
أما في الملف
الثاني المتصل بسورية مباشرة، والتي تعتبر الرياض ان "نظامها" يجب أن
يزول لاعتبارات "مذهبية" ترى فيها المملكة عنصر الإرتباط الأول بين دمشق
وطهران، فإن الإنكفاء الأميركي عن شن عدوان عسكري على "منظومة الممانعة"
في المنطقة جاء ليشكل "الشعرة التي قسمت ظهر البعير" في تسعير الخلاف
السعودي – الأميركي الذي لم يصل الى حد التدهور في العلاقات وهو الأمر المرتقب
بعدما رشح للسعوديين أن توجه السياسة الأميركية باتجاه تغيير القواعد التي سترسو
عليها المنطقة في مشروعها الجديد ستطال المملكة الخليجية الأكبر ما يعرض نظامها
الحاكم وقادتها للخطر. إلا أن مستقبل تلك العلاقات بين الدولتين مرتبط بمدى قدرة
واشنطن على تحقيق التقارب مع طهران وحفظ مصالحها من خلالها، وهو ما لايمكن ضمانه
بفعل العامل "الإسرائيلي" الذي لا تتهاون فيه الجمهورية الإسلامية، في
حين تراهن عليه السعودية ودول عربية أخرى.
ربما لا يكفي رفض
المقعد في مجلس الأمن لتحقيق "الإصلاح" فيه أو في الأمم المتحدة، إذ أن
سلوك ذلك السبيل بات يحتاج الى "استخدام القوة" كما كرسته ممارسات دول الحلف
العربي – الغربي – الإسرائيلي ومن ضمنه المملكة العربية السعودية في الفترة
الأخيرة.
تعليقات