شباط "إسرائيل" والحرب بالتقسيط
شباط "إسرائيل" والحرب بالتقسيط
البناء 11 شباط 2013
محمد شمس الدين
تنتقل «إسرائيل» بسرعة البرق من اعتداء الى آخر وعلى المستويات السياسية والدبلوماسية
كافة الى الأمنية والعسكرية، في محاولة لتوجيه البوصلة بالاتجاه الذي يخدم توجّهاتها،
وبتنسيق كامل بين ما تحتاجه إدارتها لـ»الدولة العبرية» في تركيبتها عقب الانتخابات
الأخيرة، وما يجري خارج حدود فلسطين المحتلة، لا سيما في ظل التغيّرات التي حصلت وتحصل
في العديد من البلدان العربية.
انتقلت «إسرائيل» من العملية الجوية التي نفذها الطيران الحربي «الإسرائيلي»
على مركز علمي في جمرايا قرب دمشق منذ نحو أسبوعين، إلى ملف أمني يتعلّق بتفجير حافلة
سياحية في مطار بورغاس في بلغاريا في تموز 2012، حيث استطاعت أن تمارس ضغوطها على الحكومة
والقضاء البلغاريين من أجل توجيه الإتهام الى حزب الله في لبنان بمسؤوليته عن العملية،
في الوقت الذي رفض فيه الحزب تلك الإتهامات ونفى نفياً قاطعاً علاقته بها.
وكان من الواضح جداً منذ لحظة الانفجار أن «إسرائيل» حدّدت من دون دليل اتهاماتها،
في حين أنه من المفترض أن تكون التحقيقات قد توصّلت الى نتائج من شأنها وضع الأمور
في نصابها ومعرفة المسؤول عن تلك العملية، لكن «إسرائيل» اختارت أيضاً التوقيت لتحريك
هذا الملف، وجرياً على عادتها في رفع مستوى استنفارها الأمني في شهر شباط من كل عام،
فقد حدّدته في هذا الشهر أيضاً لإطلاق سحب كثيفة من الدخان، الهدف منها استيعاب ما
كان وعد به حزب الله بالردّ على اغتيال قادته، وتحديداً الشهيد عماد مغنية الذي اغتالته
في 12 شباط في دمشق عام 2008.
الطلب «الإسرائيلي» بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب، والذي وصل الى معظم العواصم
الأوروبية والولايات المتحدة، على خلفية تحريك ملف انفجار حافلة بورغاس، إنما يندرج
في إطار الحرب التي تخوضها «إسرائيل» ضد الحزب على امتداد العالم، في حين أنها أرادت
من دفعه الى الواجهة حالياً، توظيفه في احتواء ردّة فعل شباط التي تتوقّعها في كل عام،
لكن ذلك ليس العامل الوحيد الذي تبني عليه «الدولة العبرية» تحرّكها، إذ أن تنشيط عملياتها
في كل اتجاه على جميع محاور الممانعة في فلسطين وسورية ولبنان وصولا الى إيران، يهدف
الى التدخّل المباشر من أجل تغيير مسار الحوادث التي تجري فيها.
ففي سورية، نفّذت «إسرائيل» غارتها من دون أن تقضي على أي هدف استراتيجي لأن
المهم بالنسبة إليها، بالإضافة الى إشغال حزب الله في لبنان بمتابعة حدثها وحرف تركيزه
عن أي ردّ من المحتمل أن يقوم به في هذا الشهر، كان حجم التأثير السياسي الذي من الممكن
أن تحدثه تلك العملية، ناهيك عن أنها قد تخدم بشكل أو بآخر تغيير قواعد الاشتباك داخل
سورية، بعدما سيطر الجيش السوري على مفاصل أساسية ووجّه ضربات موجعة للمسلّحين وتحديداً
في دمشق وأريافها.
وفي هذا السياق، فإن «إسرائيل» عندما وجّهت ضربتها الجوية الى سورية، إن من
خلال استهداف المركز العلمي في جمرايا، أو بحسب ادّعائها ان غارتها طالت بطارية صواريخ
متحركة كانت متّجهة الى حزب الله، كانت تعلم أن قواعد الإشتباك المعمول بها منذ بدء
سريان تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي أعقب حرب تموز عام 2006، إنما يلتزم بها الحزب
التزاماً تاماً، وبالتالي فإن توجيه ضربة إليه خارج الحدود اللبنانية لن تحفزه على
الردّ، مهما كانت موجعة.
أما في لبنان فقد عمدت الى ممارسة اعتداءاتها وبشكل يومي على السيادة اللبنانية،
من خلال تحليق طيرانها بكثافة خلال الأيام القليلة الماضية وتحديداً بعد عدوانها الأخير
على سورية، وذلك بعد أن كانت الطائرات «الإسرائيلية» قد قلّلت الى حد كبير من طلعاتها
قبل ذلك، فيما يبدو أن أهداف «إسرائيل» من وراء ذلك متعدّدة، لكنها واضحة وفي مقدّمتها
إشغال حزب الله في هذه المرحلة، أو ربما دفعه الى ردّ فعل أكبر مما يريد، وبتوقيتها،
ما يساعد على تفكّك الدولة اللبنانية أو انهيارها، في الوقت الذي يعيش فيه هذا البلد
انقسامات حادة، فيما تنتشر فيه العناصر المتشدّدة التي تفرّ من سورية لتتمركز في المناطق
الحدودية الشمالية والشرقية، لتمكين من ترى فيهم حلفاء لها من العودة الى دائرة السلطة،
بعدما جرّبت أداءهم في الماضي على أبواب انتخابات برلمانية مفترضة في الصيف المقبل.
وفي شأن سورية ولبنان، أعلنت «إسرائيل» أنها تعتزم إقامة شريط عازل بعمق 10
أميال داخل الأراضي السورية انطلاقاً من الحدود، بحجة خشيتها من سيطرة الجماعات المسلّحة
من جهة، ولمنع انتقال الصواريخ لا سيّما الاستراتيجة منها الى حزب الله، ما يعني أن
الشريط قد يشمل جزءاًً من الحدود اللبنانية، لكن ذلك وإن كان على سبيل الإفتراض، فإن
دونه عقبات كثيرة تصل الى مستوى إعلان الحرب، فيما «الدولة العبرية» لا يبدو أن معلوماتها
أو تحليلها قد بلغ حد الاقتناع بأن مواجهتها هذه المرة لن تكون أحادية، وإنما ستشمل
كل محور الممانعة، وأن حجم التسلّح قد بات قادراً على محاكاة ترسانتها العسكرية مع
مراعاة التكتيكات التي فشلت في التعاطي معها إبان حروب عديدة خاضتها ضد حزب الله في
العقدين الاخيرين.
على المستوى الفلسطيني، تفترض «إسرائيل» أنها استطاعت احتواء مقاومتها بعد حرب
غزة الأخيرة، إذ خرجت باتفاق «تهدئة» يسمح لها بهامش من حرية التحرّك تجاه الأهداف
الأخرى الأكثر صعوبة وحيوية إن في لبنان أو سورية، وذلك وسط عباءة المساعدات العربية
الموعودة لإعادة البناء والتي تتوق اليها القيادة الفلسطينية في رام الله كما في غزة،
التي ما عادت قادرة على الصمود أمام احتياجات مواطنيها الملحة، في حين أن «إسرائيل»
زادت من مراهنتها على تحييد الفلسطينيين، بعدما برز من أداء «الإسلام السياسي» الذي
ادّعى أنه يمون على الفصائل الفسطينية المقاتلة، إلا أن على «إسرائيل» أن تعيد ترتيب
حوادث تلك المرحلة، لتعرف أن اتفاق التهدئة الأول لم ينجح، لأن فريقاً فلسطينياً مقاوماً
لم يستطع أحد إلزامه لا من خلال «الإسلام السياسي» ولا من خلال جلسات العمل التي رعتها
إدارة المخابرات العامة المصرية.
أما في ما يتعلق بإيران، فإن «إسرائيل» لم تستطع توجيه ضربتها لها بالرغم من
تهديدها العالي المستوى، وذلك منذ بدأ الملف النووي الإيراني بالتفاعل، ففي حين أن
إيران قد أصبحت نووية بالكامل، أي أنها باتت قادرة على صنع قنبلة نووية لا تريدها على
الأقل في الوقت الراهن، وهو ما أعلنه قبل أيام رئيسها محمود أحمدي نجاد، فبقيت «إسرائيل»
تراوح وسط تهديداتها، غير أنها لم توفّر مناسبة إلا واستغلتها لتحفيز العالم على اتخاذ
وضعية الحرب ضد إيران، وأيضاً من دون جدوى لأن القناعة السائدة لدى الجميع أن المواجهة
معها ستكون مكلفة للمنطقة بأسرها، وربما أبعد من ذلك، وعلى ضوء ذلك يبدو أن «إسرائيل»
قد عدّلت من خططها على المستوى التنفيذي، واتجهت الى خوض الحرب مع إيران عبر محاولة
تقطيع أطرافها في لبنان وسورية، بعدما ضمن «الإسلام السياسي» بالحدّ الأدنى الجانب
الفلسطيني.
ما سرب عن خطة «إسرائيل» وكشفه بسام أبو شريف، وهو أحد المستشارين السابقين
للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مفاده
أن «قرارا اسرائيلياً اتخذ في المطبخ المغلق، بالتركيز على توجيه ضربات قوية لسورية
وحزب الله لتحقيق هدفين:
الأول: تحطيم القوة التي يمكن أن تهدّد أمن اسرائيل من الشمال.
والثاني: إضعاف إيران وتكسير أجنحتها، حسب تعبير مدير الاستخبارات الإسرائيلية
(أمان)»، الذي كان يتحدث في اجتماع عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع
قادة أمنيين وعسكريين لهذا الغرض.
وبغضّ النظر عن الحسابات «الإسرائيلية» الداخلية تبعاً لهذا المخطط المسرّب،
فإن شيئاً واحداً يبدو واضحاّ لغاية الآن، وهو ان «الدولة العبرية» بدأت حربها الفعلية
على محور الممانعة ولكن بالتقسيط، و هذا ما يستدعي رداً ما زال الجميع ينتظره ويؤجّله
من شباط الى آخر، وليس فقط «إسرائيل».
تعليقات