اجتماع «الحلفاء».. في بيروت


اجتماع «الحلفاء».. في بيروت

البناء 16 كانون الأول 2012

محمد شمس الدين

كان لافتاً اللقاء الذي جمَع سفراء إيران، وسورية، وروسيا، والصين في لبنان، بعد «العاصفة» التي اثارها كلام نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف حول «الانتصار الوشيك للمعارضة السورية على الدولة ورئيسها بشار الأسد»، والذي عاد وتمّ نفيه أو تصحيحه من ِقبل الخارجية الروسية التي «سقطت» للمرة الثانية في التباس مصدره بوغدانوف نفسه في أقل من عام من عامي الحرب المستعرة في سورية.

اجتماع السفراء الأربعة في بيروت لا شك وأن له دلالات كبيرة على عمق الموقف المشترك من التحركات الدولية حيال الأزمة السورية، وفي الوقت نفسه يعبّر في مكان ما عن عمق الموقف الروسي بشكل خاص انطلاقاً من حرص روسيا على ضمان مستقبلها وأمنها القومي الاستراتيجي، لما للأزمة السورية من تأثيرات وما يمكن أن ينتج عنها من تحولات يراهن عليها البعض.

لقد تعرّض الموقف الروسي للتشويه من ِقبل الولايات المتحدة بعد الكلام الذي أطلقته الخارجية الأميركية على لسان المتحدثة باسمها فيكتوريا نولاند التي أصرّت على إظهار «إعجابها» بالتحوّل الذي طرأ على موقف موسكو، الأمر الذي تزامن مع ما نسب لـ بوغدانوف قبل نفيه وتوضيحه رسمياً، غير أن الاجتماع في الفياضية أظهر وكأن الموقف الروسي بات يحتاج الى ضمانات أكثر، ما اقتضى توجيه رسالة دبلوماسية قوية من بيروت تعكس مواقف الحكومات، لا سيما في روسيا والصين باعتبارهما يشكلان الثقل الدولي في ميزان الأزمة السورية.

وفي هذا السياق، تقول مصادر دبلوماسية إن اللقاء حصل بناءً على دعوة السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن آبادي الذي لا بد انه تلقى توجيهات بهذا الشأن من حكومته، مشيرة الى أن طرح فكرة الاجتماع كان الهدف منه الرد على الحملة الإعلامية الضخمة التي تولت ترويج «الموقف الروسي» وما تركته من أثر معنوي على كل حلفاء سورية في المنطقة بعد البلبلة التي حدثت فيها.

إن موافقة الحكومتين الصينية والروسية على انضمام سفيريهما الى اجتماع في بيروت، محوره إعلان موقف من الأزمة السورية، إنما يدل دلالة واضحة على أن صراع المحورين المعروفين في المنطقة لم يعد محصوراً فيها، وأن الانقسام بات دولياً بامتياز، وأن لا مانع لدى تلك الدولتين الكبيرتين أن تكونا جزءًا من هذا الصراع الذي نفّس كل احتقانه في سورية، ما يمكن أن يرفع من وتيرة عنف المسلحين المدعومين من المحور الآخر في هذا البلد خلال الفترة المقبلة بهدف زيادة الضغط على الدولة في سورية.

 يبدو أن التحالف الغربي – العربي صار في وضع حرج امام صلابة وضع الدولة وسيطرة الجيش على مفاصل القتال، وهي الحقيقة التي لم يستطع الإعلام السوري بثها أو ترويجها ناهيك عن ضعف الآلة الإعلامية لدى محور سورية الإقليمي والدولي، وهذا يتناقض بشكل تام مع ما حاول إعلام الفريق الآخر ترويجه، وهو نجح في ذلك مستغلاً عبارات استخدمها نائب وزير الخارجية الروسي بحسب زعم الخارجية الروسية، في محاولة لمناقشة ما تقوله المعارضة السورية، التي التقاها أخيراً، وكانت تؤكد له على أن معلوماتها من الميدان تقول إنها ستحقق نصراً وشيكاً.

بات واضحاً ومحسوماً أن الحرب الدائرة في سورية هي حرب العالم على الأرض السورية مهما اعطيت من عناوين داخلية، بدءاً من إصلاحات لم تكن مطلوبة من الأساس عند من افتعل الحرب، أو مما يطالب به التحالف الغربي – العربي باسم من يسميها معارضة سورية لتمكين هذه الأخيرة من سلطة خاضعة لإرادته بهدف تغيير وجه المنطقة (الشرق الأوسط الجديد) والذي لا يمكن أن يحصل إلا من البوابة السورية. هذه الحرب التي إنْ أصر عليها مفتعلها، فإنها سُتشعل العالم ربما وليس على نطاق ضيق بعدما بدأت الاستعدادات الدولية تأخذ شكلاً محدداً من خلال ما ظهر من نشر «الناتو» لصواريخ الباتريوت على الحدود التركية - السورية والتي لم يقتنع أحد بأنها لحماية تركيا من صواريخ سورية، حيث أن روسيا اعتبرتها تهدد أمنها الاستراتيجي فيما اعتبرتها طهران مقدمة لحرب عالمية.

اجتماع السفراء خطوة من خطوات سياسية لها طابع حربي في ظل مواجهات عنيفة داخل سورية وتحركات «اسطولية» بوتيرة هادئة في البحر والبر والجو وفي اكثر من اتجاه، تنفذها قوى المحورين بانتظار ساعة صفر مدمرة أو لحظة حقيقة تقي البلاد والعباد شرور النار الكامنة تحت الرماد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار