«معارضة» على لائحة الإرهاب!
«معارضة» على لائحة الإرهاب!
البناء 13 كانون الأول 2012
محمد شمس الدين
الإدراج الأميركي لـ"جبهة النصرة" في سورية على لائحة الإرهاب في
التوقيت الذي حصل فيه، يشكل رسالة قوية لمؤتمر «أصدقاء سورية» الذي افتتح اعماله أمس
في المغرب، إلا أنه وإن فهم رسالة في الاتجاه الآخر فإنه لن يبعث على الأمل بأن الموقف
الأميركي حيال الأزمة في سورية قد تبدل أو أن الدولة في سورية ترى فيه مؤشراً على مثل
هذا التبدل أو أنه يمكن التعويل عليه لتسجيل انعطافة في الموقف الدولي تجاهها.
لكن المعطيات الأكيدة والحقيقة التي يجب البناء عليها، هي ما تتداوله أوساط
دبلوماسية غربية حول سورية ومفاده أن الدولة هناك ما زالت متماسكة بشكل كبير وأن سيطرتها
ما زالت ممتدة على الأراضي السورية، ما خلا مواقع منها لا تشكل أكثر من 15 % من مساحة
سورية، ناهيك عن أنها لا تشكل في الاستراتيجية العسكرية أو الجيو- سياسية أي تاثير
على مجريات الأمور، مع الإشارة الى أن الجيش السوري لم يستخدم حتى الآن أكثر من ربع
قوته عُدَّة وعدداً، ما يلغي عملياً وجود سيطرة لغيره حتى في النسبة التي تقول جهات
أوروبية أن الجماعات المسلحة تسيطر عليها.
وتقول الجهات الدبلوماسية إن هذه المعطيات تتداولها معظم الدوائر السياسية والعسكرية
في الغرب، وهي أثيرت عقب رفع وتيرة الحديث عن تدخل عسكري دولي تحت عنوان السيطرة على
مخزون الأسلحة الكيميائية الذي تمتلكه سورية افتراضاً، وبعد نشر صواريخ الباتريوت التابعة
لـ»الناتو» في تركيا، لحماية هذا التدخل، إلا أن كبار الجنرالات وتحديداً في بريطانيا
حذروا من مغبة هذا النوع من العمل واعتبروه بحسب المصادر نفسها ينطوي على مخاطر عديدة،
مرتكزين بذلك على فعالية سلاح الجو السوري وسلاح الصواريخ المضادة للطائرات الذي تمتلكه
سورية، وقد أظهرته من خلال التصدي للطائرات التركية، حيث اسقطت منها اثنتين في رسالة
واضحة على فعالية هذا السلاح الذي سيشكل عائقاً كبيراً على أي تحرك لاسطول جوي دولي
فوق سوريا.
وفي هذا السياق، تنقل المصادر الدبلوماسية عن تقارير عسكرية للجهة نفسها أن
التدخل بسلاح الطيران لضرب اهداف في سورية يلزمه حشد أساطيل ضخمة في البحر لحماية الطيران
الذي سيكلّف بعمليات داخل الأراضي السورية، وبالتالي فإن وضع مثل هذه الاساطيل في هذه
النقطة من العالم يستلزم ايضاً وجود حماية أمنية لها إذ أن عدم التوصل الى قرار دولي
واحد خال من أي «فيتو» سيجعل من هذه الأساطيل مكشوفة أمام أية محاولة لضربها أو على
الأقل منعها من تنفيذ مهماتها.
وتردف المصادر ان التقارير العسكرية المذكورة وضعت تصوراً أولياً حددت فيه قدرة
الدولة في سورية على الصمود لسنتين إضافيتين على الأقل في ظل أقسى أنواع المواجهات
على الأرض وما يستتبعها من دعم سياسي دولي وتقديم أقصى أنواع الدعم اللوجستي، غير أنها
تتساءل عن مدى القدرة على التحكم والسيطرة طيلة الفترة تلك فيما لو قرر قادة العالم
الإستمرار بهذه الوتيرة؟، وماذا عن الدعم الذي يمكن أن يقدمه لسورية حلفاؤها في المنطقة؟،
ناهيك عن قدرة المنطقة ودول الجوار السوري على الصمود امام ما يمكن أن تصدره الأزمة
السورية اليها؟.
وترى المصادر نفسها على ضوء ذلك، أن القرار الأميركي الأخير الذي أتى مترافقاً
مع إعلان عن الاعتراف بـ»الإئتلاف السوري المعارض» مع رفض التسليح إنما يحاول أن يفتح
المجال أمام تسوية جدية في المنطقة من البوابة السورية حيث باتت الولايات المتحدة تخشى
من انفلات الأمور من عقالها في ظل العمليات الوحشية التي ينقلها الإعلام عن ممارسات
الجماعات المسلحة التي من الممكن أن تبدأ بالانزلاق نحو لائحة الإرهاب الأميركية تدريجياً،
في وقت لم يتضح فيه لواشنطن بعد صورة البديل السوري المرتقب بعد سلسلة التجارب التي
خاضتها في مصر التي تعيش ارهاصات الثورة على الثورة وسط خشية من اضطرابات واسعة النطاق
وانقسام حاد يضرب المجتمع المصري، وبداية اضطرابات مسلحة وعنيفة تتخذ شكلاً عقائدياً
في تونس، من دون إغفال ما يحدث من عدم استقرار في ليبيا.
لا تتوقع المصادر الدبلوماسية الكثير من مؤتمر المغرب حول سورية، وتقول إنه
يندرج في إطار تمتين روابط أطراف «المعارضة» المهددة دائماً بفرط عقدها في ظل بروز
تشكيلات جديدة لها كل يوم يحكمها عدم التوافق على شيئ، وهو الأمر الذي تعاني منه الأطراف
الدولية. لكن الحوافز التي توزعها بعض الدول العربية تجعل من تلك «المعارضة» متماسكة
شكلاً، لكنها مفصولة تماماً عن واقع ما يخوضه المسلحون من قتال داخل سورية تديره اجهزة
استخبارات .
تعليقات