متورطون؟!


متورطون؟!
"البناء" الإثنين 03 كانون الأول 2012

محمد شمس الدين  

ما أذيع من معلومات حول تورط جماعات لبنانية في القتال داخل سورية يشير الى زيادة انغماس لبنان في تلك الأزمة التي ما عادت منذ زمن طويل أو ربما منذ بدئها قبل نحو 20 شهراً سورية – سورية، إذ إن ما جرى من تدخلات دولية فيها جعلها أزمة منطقة الشرق الأوسط بكاملها، حتى أنها تقدمت بأولويتها على القضية الفلسطينية التي تمشي بمسارات محددة منذ أكثر من 60 عاماً على النكبة.
لم يغب النقاش عن مشاركة جماعات لبنانية في القتال في سورية عن الأزمة، فقد اتهم حزب الله بداية بذلك لكن بالإضافة الى نفي الحزب لهذا الأمر فإن أخصامه السياسيين لم يستطيعوا تقديم الاثبات على ما ادعوه، بل على العكس قدم الحزب ما يثبت أنه لم يشارك في القتال بغض النظرعما إذا كان ذلك جائزاً أم لا، لأن الحرب التي تخاض هناك معني بها هذا الطرف من اللبنانيين لما تشكله سورية بالنسبة اليه من داعم حقيقي لمسيرته السياسية وللمقاومة ضد العدو «الاسرائيلي»، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن لا يسمح بسقوط أو المس بما يمس هذا الخيار الذي بات مناصروه قلة.
لكن الأطراف السياسية اللبنانية الأخرى التي ثبتت مشاركتها في الحرب في سورية فإنها بالإضافة الى تحمّلها مسؤولية كل قطرة دم تهدر، فهي لا تخرج عن سياق ممارسة جرائم الحرب بعدما انبرى النائب في البرلمان اللبناني عقاب صقر و باسم رئيس حكومة سابق طرف في الأزمة السياسية اللبنانية والسورية، الى المشاركة في الحرب بشكل مباشر وعبر غرف عمليات تدير المعارك على الأرض، بصرف النظر عن تنظيم عمليات إمداد المسلحين بالسلاح والمال، بل تعدى صقر ذلك الى إصدار تعليماته لتفجير سيارات مفخخة قتلت أبرياء من السوريين ودفع المال لاحتجاز حرية آخرين من اللبنانيين والسوريين لاستخدامهم كورقة للإبتزاز السياسي.
ما كشفت عنه التسجيلات التي أذيعت عبر وسائل اعلام مكتوبة ومرئية تثبت تورط لبنانيين من أعلى المستويات في الحرب قتالياً وإدارياً في سورية، وهو ما ستترتب عليه أمور لا تحمد عقباها على المستويين الأمني والسياسي في لبنان، بعدما تم شحن النفوس باتجاه تفجير صراعات مذهبية وطائفية تشكل امتداداً لمحاولات إغراق سورية في الموضوع نفسه، و ذلك في محاولة لإرسال رسالة الى عديد الجيش السوري ذي الغلبية السنية، والذي ما زال متمسكاً بوحدته المؤسساتية وضمن عقيدة قتالية واضحة الأهداف، مفادها أن عليه أن ينقلب على الحكم (العلوي) لأنه بذلك فقد يصبح بالإمكان افتعال حرب أهلية في سورية، لكن نار تلك الأحداث لن تبقى بمنأى عن لبنان، حيث انها أشتعلت فيه منذ أن بدأ حزب الحريري ببث روح العداء ضد الأطراف من لون مذهبي أو طائفي مختلف، وتلك النار ايضاً عبّرت عن نفسها في أكثر من مكان وفي غير منطقة لبنانية، وتنقلت بسرعة هائلة بينها لكن تداركها حال دون ارتفاع لهيبها الذي كان من الممكن أن يحرق الجميع، في حين ان القدرة على معالجتها تتضاءل يوماً بعد يوم نتيجة النفخ المستمر بهذا البوق البشع.
آخر تلك المناطق كانت طرابلس في شمال لبنان التي عاشت حالة اضطراب امني وسياسي وطائفي ومذهبي بعد الإعلان عن مقتل عدد من الشباب «الملتزمين» لم يتم تحديده نتيجة المعلومات المتضاربة في سورية كانوا انتقلوا للقتال الى جانب المسلحين هناك على قاعدة «النصرة والجهاد» الشعار الشهير الذي عممه تنظيم «القاعدة»، وتبع ذلك هجوم أهالي منطقة باب التبانة السنية على جبل محسن العلوي كردّ فعل على وقوع هؤلاء المسلحين اللبنانيين بكمين للجيش السوري اثناء توجههم للقتال. لكن الخطر الأدهى هو ما قدمه أحد نواب كتلة المستقبل خالد ضاهر بأن ذهاب الشباب المتحمسين للقتال في سورية إنما يندرج في إطار رد الفعل على مشاركة حزب الله (غير الثابتة) في القتال الى جانب القوات النظامية السورية، ما يكشف عن سوء المخطط الذي يسعى المستقبل الى تنفيذه في لبنان وسورية معاً لإغراقهما في بحور الفتن من دون أي رادع أخلاقي أو ديني أو قومي، وكل ذلك بدعم مباشر من دول بأمها وأبيها «وعلى عينك يا تاجر» عربية وغير عربية لن تكون بمعزل عن كرة النار إذا ما بدأت بالتدحرج مهما كانت مرتاحة الى إجراءاتها الأمنية داخلياً وخارجياً. فالاختلاط وتوزع التنوع على مساحات واسعة في المنطقة سيؤدي حكماً الى انتقال الحرب الى أماكن قد لا تخطر على بال أحد.
تورط جماعات حزب المستقبل وقياداته في الحرب في سورية وعلى الأسس المعلنة سيفتح الباب واسعاً أمام تشريع التدخل الذي لوحت به الدول في الازمة السورية، لا سيما في الأيام القليلة الماضية،  الأمر الذي يتخذ منه المتدخلون حالياً مظلة للإحتماء بها من كل مساءلة ممكنة، لكن في الوقت نفسه سيشرع ذلك تدخل الأطراف الاخرى التي لم تبادر حتى الآن الى ذلك أو على الاقل لم يكشف تدخلها إن على مستوى لبنان أو على مستوى الحرب في المنطقة التي باتت سورية تلخصها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار