«الدولة».. في الاستراتيجية الدفاعية؟
«الدولة».. في الاستراتيجية الدفاعية؟
البناء 24 أيلول 2012
محمد شمس الدين
لا يمكن الحكم على التصور الذي قدمه رئيس الجمهورية ميشال سليمان حول الاسترتيجية
الدفاعية على طاولة الحوار «المنقوص» بفعل عدم وجود أطراف سياسية لم تعد ترى في تلك
الطاولة أمراً مجدياً، في حين أن اعتبار التصور «منطلقاً» لحوار حول «السلاح» واستيعابه
في إطار الدولة لا يشكّل بحد ذاته موافقة يمكن البناء عليها، خاصة وأن التصور تم تفخيخه
بعبارات تتعلق بـ»المقاومة» والاحتلال، وكأن شيئاً من هذا القبيل هو غير موجود في تجاهل
كامل للجزء المحتل من الأراضي اللبنانية. هذا في المبدأ.
وإذا كان التصور قائماً على أن الانسحاب «الإسرائيلي» من الجزء المحتل يعد أمراً
مضموناً في حال وافق حزب الله على وضع سلاحه في كنف الدولة اللبنانية، وذلك بفعل اتصالات
سياسية خارجية ووعود دولية، مهّدت لتقديم هذا التصور بالشكل الذي أخرج فيه، فإن المعطيات
المحيطة بالمنطقة وتحديداً بسورية لا تشكل حافزاً على الموافقة على أي تصور حالياً،
ما لم ينجل غبار المعركة الدولية المفتوحة على سورية وتالياً إيران المستهدفتين لموقفهما،
واللتين تشكلان مع حزب الله في لبنان محوراً ممانعاً ضد العدو «الإسرائيلي» المتحفز
دائماً مع الولايات المتحدة لشن حرب لا يدور الخلاف بين الطرفين الأخيرين على «مبدأيتها»
أو صحة النظرة الى تحقيقها، إنما يعود الخلاف حول توقيتها وطبيعتها، وأي من الطرفين
يجب أن يكون المبادر وتحت أي شعار.
تقول مصادر سياسية متابعة مقرّبة من حزب الله، إن تصور رئيس الجمهورية لا يبتعد
كثيراً عما يريده الأميركيون في نظرتهم الى السلاح الموجود بيد المقاومة والذي صار
جزءاً من معادلة إقليمية لم يلحظها التصور الرئاسي، وهو تعاطى مع وجود السلاح على أساس
محلي وبسيط لا يرقى الى ما يحصل من حول لبنان في ظل التوترات الإقليمية والغليان الجاري
في أكثر من مكان في المنطقة، فقد قال حزب الله في مواقفه المعلنة حول تلك الأزمات وخاصة
في سورية، إنه يعتبر ما يجري هناك محاولة للنيل من محور الممانعة الذي هو جزء منه،
في حين ألمح أيضاً في غير مناسبة الى أنه لن يسمح بتعريض المقاومة وأمنها لأي خطر،
في حين أن التصور الذي يتداول به حتى الآن وبصيغته المطروحة لم يلحظ ضمان أمن المقاومة
ولا المقاومين ولا كيفية ذلك.
وتضيف المصادر، أن عدم لحظ البعد الإقليمي والصراع السياسي والعسكري والأمني
المفتوح مع «إسرائيل» في التصور وإغفال الحديث حول ما بات يعرف بـ»استراتيجية المواجهة»، وحصرها في عبارة أن «المقاومة
لا تبدأ إلا عند حصول احتلال»، كما ورد في مضمون ما أعلن من (التصور)، يعني أن الخلاف
اللبناني- اللبناني هو أعمق من المستوى الذي يتم التعامل على اساسه، ويطال الدولة ككيان
سياسي وموقعها ورؤيتها، فمن قائل بالحيادية الى قائل بالنأي بالنفس، الى قائل بالمواجهة
والدفاع، هنالك «اختلاف كبير»، قبل الاتفاق على استراتيجة للدفاع الوطني خاصة وان العديد
من الأزمات على مستوى المنطقة لم تحسم بعد لاسيما وأن الجهات الدولية والإقليمية متفقة
على رؤية واحدة تجاه لبنان والقوى التي يتشكل منها، لاسيما تجاه حزب الله ومقاومته
وما يملكه من سلاح لم يشكل حتى الآن أي تهديد داخلي، في حين يحسب له ألف حساب في التوازن
الاقليمي الذي لم يُلحظ في «تصور الرئيس» للاستراتيجية الدفاعية، وبذلك يكون قد تخلى
عن أهم مرتكزات قوة الدولة ودورها الى جانب ما تمتلكه من قدرات وكفاءات بشرية منتشرة
لم تفلح في استثمار أي منها منذ نشأتها في أربعينات القرن الماضي.
تشير المصادر الى ما سرّب عن نقاش جرى على طاولة الحوار بين ممثل حزب الله النائب
محمد رعد وممثل حزب «المستقبل» النائب فؤاد السنيورة الذي رد على سؤال وجهه الأول اليه
حول رؤيته للاستراتيجية الدفاعية، بالقول إن استراتيجته «هي استراتيجية الدولة»، فأجابه
رعد «ونحن أيضاً استراتيجتنا هي استراتيجية الدولة،.. و»إفهم إذا بتقدر تفهم» أو «فسرها
متل ما بدك»، بحسب روايتين نقلتا عن الحديث.
مضمون ذلك يعني أن رد فعل حزب الله الأول على التصور الرئاسي الدفاعي، قد صدر
في الجلسة ذاتها إذ يعتبر الحزب أن مبدأ وجود السلاح بيد الدولة أمر لا إشكال فيه،
لكنه يحجم عن ذلك بعد المعاناة التي عاناها مع جزء كبير ممن يشكلون الدولة في لبنان
إبان حرب تموز عام 2006، وقبلها إبان مقاومته للاحتلال حيث كانت مشاريع التسوية مع
العدو «الاسرائيلي» تطرح كل يوم على طاولات المحادثات في الداخل والخارج ومع وفود دولية
اهترأت نعالها على مدى أعوام قبل التحرير عام 2000 في الذهاب والإياب لـ»منح» لبنان
وشعبه الحقوق المكتسبة في الحجر والبشر.
«موقع لبنان في الصراع»
و»استراتيجته للمواجهة» باعتبارها جزء لا يتجزأ من الدفاع، بندان اساسيان في كل استراتيجية
دفاعية يمكن أن توضع، مع التدقيق بالوضع الإقليمي والدولي الذي يبحث عن أية طريقة لتطويق
السلاح والمقاومة في لبنان وسحبها من المعادلة لكسر التوازن الذي تحقق بعد العام
2006، وإلا سيكون أي بحث مجرد تضييع للوقت ومحاولة للتوظيف في استحقاقات داهمة انتخابياً
محليا برلمانياً و»رئاسياً»، تشكل مفصلاً أساسياً في صوغ مستقبل لبنان، ما يعني أن
الحديث مؤجل عن تلك الإستراتيجية الى ما بعد تلك الاستحقاقات وجلاء غبار المعارك السياسية
والعسكرية على الساحتين العربية والاقليمية.
تعليقات