ساحة مستباحة... وأغبياء
ساحة مستباحة... وأغبياء
البناء 3 أيلول 2012
محمد شمس الدين
أسخف ما سمعته من «تحليلات» يقولون أنها «معلومات»، من بعض العاملين في الإعلام
في فريق الأقلية النيابية في لبنان والمحسوبين على حزب المستقبل، أن الرئيس بشار الأسد
مستمر في حربه ضد «الثورة» في بلاده بغض نظر أميركي ومباركة «إسرائيلية» لأن الطرفين
لا يعلمان حتى الآن اي نوع من الأنظمة سينشأ من بعده وإلا كانا استغنيا عنه، مستدلين
على ذلك بما يعتبرونه خدمات قدمها نظامه الى «الإسرائيليين» في موضوع الجولان المحتل،
مشيرين الى أن «تل أبيب» خائفة على هذه المنطقة في حال تسلمت الحكم في سورية «جماعة»
الجماعات المسلحة.
ربما لا يكون هذا الكلام سخيفاً بقدر ما هو غبي، لأنه يترافق أيضاً مع مضامين
اجتماعات للحزب نفسه تسوق أن الرئيس الأسد كان ليترك الحكم منذ اللحظة الأولى لولا
(السيدة) أنيسة والدته، التي تقف وراء عناده في الدفاع عن الدولة التي أرسى قواعدها
الرئيس الراحل حافظ الأسد.
يقول مثقفو حزب المستقبل وكوادره ذلك وعلامات القناعة الكاملة تبدو على ملامحهم،
وهم يتصرفون على أساسه متناسين أن قول مثل هذا الكلام إنما يدينهم ويعكس ضعفهم أمام
سيدة جليلة قابعة تعبد ربها في منزلها، وأمام رجال يقومون بأدوارهم دفاعاً عن سورية
التي تعني بالنسبة لهم قضية الحياة وشرفها وعزها.
إلا أن ما يتم تسويقه حول غض النظر الأميركي والاستمهال «الإسرائيلي» إنما يراد
منه رفع معنويات الشرائح التي ما كانت تتوقع على الإطلاق أن تطول الحرب في سورية الى
هذا الحد، والتي كان عرابها القطري بالدرجة الأولى قد قدّر زمنها لحظة إشعاله لها ودفاعه
المستميت عن رؤيته التي ثبت خطأها، الأمر الذي فرض تراجعه عن إدارتها ليصبح «منفذاً»
عليه أن يلتزم بالتعليمات أمام من هو أكثر دراية منه، كما أن عليه فقط أن يدفع مالياً
كلما طلب منه ذلك، وهو الشيء الوحيد الذي يجيده للحصول على مكانة في العالم.
يقولون إن ما يجري في سورية حرب اهلية، ويطلقون مخيلتهم في تصوير عطفهم على
«الثوار» و»أعراضهم» المستباحة في تكملة للروايات التي يتناقلونها، لكنهم لا يعرفون
كيف يردون على حقيقة أن الذي يقاتل هو الجيش السوري وضد مسلحين كثير منهم من خارج البلاد
ومن جنسيات مختلفة، وأن الرئيس الأسد ما زال
يتمتع بشعبية واسعة بين السوريين في الداخل وفي الخارج، إضافة الى أنه يمثل واقعاً
ممانعاً ومقاوماً، وله من التأييد الإقليمي ما لم يعرفه أي رئيس أو زعيم في البلاد
التي «استحوذت» عليها «الثورات» إن في مصر أو في تونس أو في ليبيا، في وقت لا يمكن
الحديث فيه عن البحرين الذي يذبح أهلها من دون أن يرف للعالم جفن.
يدّعي هؤلاء انهم حريصون على لبنان الذي يجب أن يبقى خارج الأزمة، لا لأنهم
ضنينون به، بل لأنهم يخافون على ما يمر تسللاً عبر مناوشات هنا وهناك من طرابلس التي
تخوض الحرب بشكل أو بآخر، وهي تحولت بفعل تلك المناوشات المفتعلة الى «منطقة عازلة»
غير معلنة تحت شعار «النأي بالنفس»، الى صيدا التي على مزابلها تصيح «ديوك» صيحات فتنوية
معروفة الغرض، بينما أحجم «أبو علي» عن إظهار نفسه لها حرصاً على عدم انحداره من موقعه
في المعادلة الإقليمية الى الأقنان في غير منطقة لبنانية، في حين لا ينطلي على أحد
إعجاب فؤاد السنيورة وعيناه المغرورقتان دائماً بالدموع والغارق حتى اذنيه في التآمر
على وحدة البلاد والعباد منذ أن كان رئيساً «فظاً» للحكومة لا سيما في حرب تموز
2006، إعجابه بخطاب الرئيس نبيه بري الذي استدعى اتصالاً لتهنئته مع أمنية باحتساء
فنجان قهوة معه امتناناً للموقف الذي لم يتغير، وقرأه كثيرون مثل السنيورة على أنه
تحول في الموقف باتجاه معاكس لما كان عليه، ما يدل دلالة واضحة على أنهم لم يفقهوا
يوماً ما كان يقوله الرجل ويدعو اليه، كما يؤكد على أنهم يعبرون عما يختلج في صدورهم
وما يتمنونه فقط، لأن بري لم يعبر إلا عما يؤمن به هو ومن ينتمي اليهم منذ الأزل، وهوخطاب
لم يتغير حتى بمفرداته إلا بما أدخله رئيس المجلس من أدبياته عليه.
وفي سياق ما يدعيه هؤلاء انفسهم،
لا يمكن إغفال مسلسل «عرض العضلات» الذي تقوم به أجهزة أمنية مستفيدة من التزام «أبو
علي» وفرقاء لهم وزنهم في البلد مبدأ الحفاظ على السلم الأهلي وعدم الانجرار الى مستنقعات
دفعت دول اموالاً طائلة لمتنفذين من أجل إقامتها، لكن ما يجب الالتفات إليه هو أن ابو
علي عنده من «الديوك» ما يحتار في كيفية منعها من الصياح لا بل في كيفية منع أذى مناقيرها
في حال لم يعد مسيطراً عليها.
الساحة «مستباحة» بكل ما للكلمة من معنى، وهو ما جرى التعبير عنه في غير مناسبة،
ما يعني أن الفلتان ليس بشقه الأمني فقط، بل السياسي أيضاً، لا أم له ولا أب، ولا أحد
مستعد أن يتحمل مسؤوليته أو يردعه تحت شعارات باتت تستغل لتمرير مشاريع سياسية على
مستوى نزاع كبير في المنطقة.
ما يقوله ويدعيه ويتصرف هؤلاء على اساسه ليس سوى لعبة غبية مكشوفة بشكل كامل
ستسقط وحدها أمام حقائق جلية لن يستطيع أحد إنكارها... وما النصر إلا صبر ساعة! على
ما يعرفه ويقوله الراسخون في الأمن والسياسة.
تعليقات