من هنا تبدأ الحكاية!


من هنا تبدأ الحكاية!
البناء 23 كانون الثاني 2012
محمد شمس الدين

انكسر سعد الحريري على سفوح التزلج الفرنسية، بعدما انكسر سياسيا في لبنان عندما "طرد" من السلطة عام 2010 ما جعله ينكفئ عن الساحة طيلة الفترة الماضية، إلا ما خلا تلك "الإطلالات" عبر الإنترنت في محاولة لتبوؤ مرتبة "القيادة الثورية الإلكترونية" باعتباره ينتمي الى ثورة الأرز التي صدرت الثورة الى عدة دول عربية، لكن الحريري اكتفى بإدارة موقعين في لبنان وسورية تاركاً المواقع الأخرى لحلفائه وهو بات الآن "مربوطاً" في جبيرته في المستشفى، هل سينكفئ عن المشاركة في مهرجان شباط المقبل حيث وعد "جماهيره" بحضوره ولقائهم فيه؟.
ليس من المستبعد ذلك إذا أراد الحريري أن يظهر بمظهر البطل كما يحاول دائماً، وهو اعتاد على تقديم العروض في "الإستعراضات" وليس المهرجانات كما فعل عندما لجأ لمخاطبة الشباب بخلع سترته ورفع كميه وسحب ربطة عنقه في مشهد لم ينطل حتى على مؤيديه. غير أن حضور الحريري لن يبدل كثيراً في المشهد السياسي، كما أنه يعلم أن لا احد "يطلب رأسه" كما يدعي أو يسرب، إذ لا خوف أمنياً عليه خاصة من أخصامه السياسيين في لبنان، لكن لا بأس باخذ الحيطة والحذر من حلفائه لا سيما الدوليين منهم، الذين يتربصون بالبلد لإحداث فتنة فيه كما حاولوا من خلال اغتيال والده عام 2005. لا بأس بأن يبقى الحريري في الخارج في هذه الظروف الصعبة.. ولا بأس بحجب اشعاعاته الفكرية وذكائه لفترة عن لبنان وصياغة مستقبله.
الغياب القسري للحريري لم يبعده عن قيادة النضال في سبيل تخريب الأوضاع في سورية التي يمد جماعاتها المسلحة بالمال والسلاح عبر البوابة اللبنانية ومن المناطق المرتبطة به مالياً وحزبياً سعياً لتغيير الواقع الذي يعتبره مسؤولا عن فقدانه لسلطاته وإرثه السياسي، كما انه لا يستطيع أن ينفصل عن إرادة من أراد أن يجعل منه رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية التي أثبت فشله فيها وهي على تعقيداتها إلا أن العمل فيها يصبح تفصيلياً في الصراع الدائر في المنطقة الذي لا يستطيع الحريري ولوجه إلا من خلال الأجهزة التي تحاول إدارته إن في الولايات المتحدة أو حتى في إسرائيل.
لم تنفصل حركة الحريري السياسية عن منظومة كاملة تعمل في لبنان وانطلاقاً في المنطقة لا سيما حيال الأوضاع في سورية، ولو أن دوره فيها أقل لأسباب شخصية تتعلق بمستواه الفكري وتجربته السياسية الضحلة. لكن شريكيه الإسترتيجيين سمير جعجع ووليد جنبلاط اللذين يعملان بهدوء على صياغة المستقبل باعتماد اسلوب الحرب الناعمة يعوضون عن الحريري الشريك الضامن في التقسيمات المذهبية والطائفية وايضاً على المستويين اللبناني والإقليمي. فمن إدارة الحريري الباريسية لتحرك "المستقبل" على الحدود الشمالية للبنان حيث اهتمام الحريري يتركز هناك، الى تحرك جعجع باتجاه كردستان العراق في حركة تسويق سياسي لدور أقلي ينسجم مع أكثرية أولى في المنطقة مغاير لدور أقلي آخر ينسجم بدوره مع أكثرية ثانية فيها، تبدو حركة جنبلاط تميل الى حليفيه بعد زيارته الأخيرة لقطر وما أطلقه من عيارات باتجاه حزب الله وأمينه العام وعاد كما العادة الى سحب ما قاله بحقه إلا أن ذلك لم يكن بذي اهمية قياساً على تصريحاته بشأن دعم ديمقراطية الجماعات المسلحة التي تقتل الناس في سورية.
يبدو مشهد التحالف الحريري-الجعجعي-الجنبلاطي واضحاً ومنسقاً الى ابعد الحدود على المستويين الدولي والإقليمي حيال تطورات الأوضاع في المنطقة لاسيما تجاه ما يحصل في سورية الأمر الذي يجمع اللاعبون على أنه المفصل أو الخط الفاصل في الصراع، بينما تترك الأمور في لبنان في حالة فوضى سياسية نتيجة عدم حسم أهل السياسة فيه لخيارات الحكم باللون الواحد ووقوفهم عند خط "الشراكة" التي يؤمن بها طرف ويدعيها آخر بينما هو يتلطى وراءها الى حين الوصول الى تمكين نفسه من الإنقلاب عليها وهو ما وقعت فيه الأكثرية الحالية - التي تحكم شكلا- أكثر من مرة في السابق بينما هي تقول انها قادرة على مواجهة اية أخطار في اللحظة المناسبة علماً أنه ليس من الضروري ولا من الطبيعي أن تترك الأمور الى اللحظة الأخيرة لأنه عندها ستكون الكلفة التي ستدفعها أكبر بكثير عدا عن أن طرق المعالجة ستكون مختلفة خاصة إذا ما تم احتساب "المفاجآت".
وفي هذا السياق فإنه لا يبدو آداء الحكومة اللبنانية سليماً من الناحية السياسية لا سيما في مواكبة الأوضاع في المنطقة وتجاه الأزمة في سورية تحديداً، وهي إذ تحاول أن تفعل شيئاً على المستوى المعيشي من دون أن تُمكّن من ذلك لحسابات سياسية وشخصية أيضاً ما يوجب إعادة النظر بها لأنها حجر الزاوية في بناء سياسي إما أن يكون حليفاً صلباً وصافياَ يخوض المواجهة من دون حسابات أو يكون عدواً يجب محاربته.

من هنا تبدأ الحكاية، وهنا مربط الفرس في لبنان.. وسورية.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار