انفجارات دمشق اميركية

انفجارات دمشق اميركية

البناء 9 كانون الثاني 2012
محمد شمس الدين
سلسلة الانفجارات التي ضربت العاصمة السورية دمشق، منذ 23 كانون الأول الماضي، الى التفجير الذي استهدف حافلة للشرطة ومدنيين في حي الميدان المكتظ يوم الجمعة الفائت في 6 كانون الثاني الجاري، وأدى الى خسائر بشرية ومادية كبيرة، إنما تؤشر الى السياق التصعيدي الذي تعتمده أجهزة الاستخبارات الدولية، لا سيما جهاز الاستخبارت الأميركي اللاعب الأساسي في هذه الحرب، التي تخوضها سورية وحلفاؤها، إن في الداخل السوري ضد ما يسمى بـ"الثورة" السورية، أو من خلال ما يواجهه حزب الله في لبنان، أو ما تتعرَّض له الجمهورية الإسلامية في إيران من ضغوطات وتهديدات مختلفة، تبدأ بالحصار الاقتصادي، ولا تنتهي بالتلويح بشن هجوم عسكري عليها، في أي وقت.
لم تنجح الرهانات أو التقديرات التي وضعتها إدارة "الثورة" السورية في دوائر الاستخبارات، بأن ما تحتاجه من وقت لإسقاط النِّظام بحسب تعبيرها، لا يتعدَّى الثلاثة أشهر، ففرض التمديد نفسه عليها، بعدما اصطدمت تلك الأجهزة بإرادة الشعب السوري، الذي تمسَّك بالحفاظ على بلده، قبل صدمتها بصلابة الحكومة التي كانت شكِّلت حديثاً، ورأس السلطة الذي سرعان ما احتوى الأزمة وتكشَّفت أمامه طرق التعاطي معها. استمرت الحرب واتخذت أشكالاً عديدة الى أن وصلت الى مستويين:

الأول، سياسي عبر الجامعة العربية وبروتوكول المراقبين الذين ليس فقط لم ينجحوا بل أخطأوا بحسب تعبير حمد بن جاسم، وهو التعبير الدبلوماسي عن فشل الرهان على ما كان متوقَّعاً من فكرة المراقبين العرب، وأهمه أن يصار الى الاعتراف بـ"المعارضة" السورية، عبر سياسة وضعت لذلك، لكنها لم تنجح، والى تجديد الأمل أمام الجماعات المسلَّحة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط، في قبضة القوات الحكومية وحفظ النظام، بعد السيطرة على مفاصل التوتُّر في البلاد، وحصرها في مدينة حمص التي كانت بدورها قد دخلت مرحلة النهاية على صعوبتها، يوم تقرَّر إدخال المراقبين العرب في 22 كانون الأول الماضي.

الثاني، هو دخول الاستخبارات الأميركية مباشرة بعد التخطيط، الى الإشراف على التنفيذ في العمليات الأمنية والقتالية للجماعات المسلَّحة التي تخوض الحرب في سورية، فتم عندها الانتقال الى مرحلة العمليات الإرهابية عبر الانتحاريين والى غير ذالك من سيارات مفخَّخة وتفجيرات وهو الأسلوب الذي قاتلت فيه الإستخبارات الأميركية في العراق، فكانت الانفجارات التي حصلت على مقري المخابرات السورية في العاصمة دمشق، ومنها مقر الاستخبارات العامة بإدراة اللواء علي المملوك، الذي كان مستهدفاً بشكل شخصي بالانفجار. وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة على مجريات الحادث، أن الاستخبارات السورية كشفت عملاء داخل مقرِّها العام كانوا يعطون المعلومات الدقيقة حول تحركات المملوك، الذي كان دخل الى مقره قبل عشر دقائق من انطلاق السيارة المفخَّخة، التي اصطدمت بسور المبنى وانفجرت عنده.
وتضيف المصادر أن السيارة الثانية كانت تستهدف اللواء رستم غزالة رئيس فرع استخبارات دمشق وريفها في الوقت الذي كان سيصل فيه الى مكتبه صباحاً إلا أن الإجراءات الأمنية التي يعتمدها حالت دون الوصول اليه إذ أنه أرسل موكبا مموَّهاً هو ما كان قد استهدفه الانفجار، قبل وصول غزالة الى مقره بموكب آخر.

تقول المصادر، إن عمليات المراقبة الدقيقة، وكشف بعض المتعاملين الذين أدلوا باعترافات قد فضحا اليد الأميركية في تلك العمليات الإرهابية إدارة وتنفيذاً، مشيرة الى أن الهجوم في آن واحد على هذين الشخصين كان يهدف الى توجيه ضربة قاصمة للإدارة الأمنية وأركان أساسية في هيكلية الدولة مما قد يؤدي الى خلخلة بعض المفاصل فيها يترتب عليها نتائج سياسية عدا عما يمكن أن تنتج من تأثيرات معنوية في اتجاهين إن بالنسبة للجماعات المسلَّحة أو بالنسبة للقوى النظامية التي تراهن الإدارة الأميركية على تفككها عند أول ضربة.
تشير المصادر الى أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان، قد وجَّه حلفاءه على الساحة اللبنانية الى عدم الانشغال بما يجري في سورية والتركيز على ما يجب التركيز عليه في لبنان، وقد حدَّد لهم حزب الله وسلاحه كهدف اساسي وفي ذلك إشارة الى أن الوضع في سورية قد صار له من يشرف عليه مباشرة من قبل إدراته وهو ما تزامن مع انطلاق حملة التفجيرات التي تعبِّر في واقع الأمر عن افلاس كبير لكنها الخطوة الأخيرة قبل بدء الانكفاء والاعتراف الأميركي بالهزيمة، أو على الأقل التراجع كما حصل في ساحات عديدة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار