أوغلو.. "تفوير" المشاكل لا "تصفيرها"
أوغلو.. "تفوير" المشاكل لا "تصفيرها"
البناء 16 كانون الثاني 2012
محمد شمس الدين
صاحب نظرية "تصفير المشاكل" هو وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو الذي حمل تحذيراً الى لبنان خلال زيارته الأخيرة اليه، وأكد ضرورة العمل لـ"تجنب أمر كبير سيحصل في المنطقة"، مشيدا بـ"الديمقراطية" اللبنانية التي أسست لـ"الربيع العربي"، مثنياً على الانتخابات "النزيهة" و"الشفافة" التي جرت فيه، لكنه نسي أنها كلفت حليفته السعودية حوالى 700 مليون دولار. لم يفصح أو تفصح وسائل الإعلام التي نقلت عنه تحذيره عن ماهية ذلك الأمر الكبير، لكن المتابعين يعلمون أن أوغلو يحذر من قيام حرب باتت المنطقة تقف على حافتها إذا ما استمرت الضغوطات عليها من كل حدب وصوب.
لم ينجح أوغلو في تصفير المشاكل لا خارج تركيا ولا حتى داخلها، وبمعزل عن مناقشة الوضع التركي الداخلي من جوانبه كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأمنية المتواصلة مع الأكراد وحزب العمال الكردستاني، فإن المواقف التركية حيال الملفات الساخنة في المنطقة لا تنسجم بشكل من الأشكال مع تلك النظرية المحض دبلوماسية والتي لا ترقى الى معالجة واقعية للأمور في ظل تصعيد كلامي يطلقه أصحاب الدولة في تركيا.
ما حذر منه وزير الخارجية التركي هو الحرب بعينها وليس أكثر. لقد رأى أوغلو بأن لبنان قد يدخل نفق الاقتتال الداخلي من جديد، رابطاً ذلك بما يمكن أن ينتج من تصدع الوضع في الخارج القريب الذي يتمحور حول الموقف من الأحداث في سورية، وتاليا ما يمارس حيال الجمهورية الإسلامية في إيران من ضغوطات على خلفية ملفها النووي "شكلا"، ولكن الحقيقة تكمن في محاولة إشغال إيران بملفاتها الخاصة لإبعادها عن الملف السوري حتى يستفرد بسورية تمهيداً لتطويعها بعدما ابدت صلابة في مواجهة ما خطط لها، وما افتعل من أحداث لإسقاطها من المعادلة القائمة في المنطقة، والتي ترفع شعار المقاومة والممانعة في وجه "إسرائيل" والمشروع الأميركي فيها.
استند أوغلو الى معلومات عن نية إيران الحقيقية، من خلال مناوراتها العسكرية الأخيرة، رفع مستوى تحذيراتها الى اللون البرتقالي مع جهوزية كاملة للضغط على الزر الأحمر لإشعال المنطقة في وجه القوات الأميركية في مياه الخليج الفارسي بحسب التعبير الايراني، وبالتالي في مضيق هرمز الذي ما زال النقطة الأكثر سخونة في المرحلة الحالية نتيجة الإصرار الدولي على فرض العقوبات المختلفة على طهران ومصرفها المركزي.
لقد حاولت تركيا اللعب على الحبلين من خلال ركوب موجة العقوبات من جهة والمحافظة على استيرادها النفط الخام والتي يعتمد بنسبة تفوق الـ 50% منه على إيران من جهة اخرى، لكن أوغلو سمع في طهران لدى زيارته إليها في السادس من الشهر الجاري ما لم يكن متوقعاً حول استعداد إيران الفعلي لخوض مواجهة عسكرية في المياه الدولية والمنطقة إذا ما استمر العالم بالضغط من أجل فرض العقوبات عليها، وقد عمدت طهران الى دعم كلامها بحركة فهمها أوغلو والولايات المتحدة عندما أمرت قياداتها العسكرية في ختام مناورات (الولاية 90) في مضيق هرمز الى توجيه التهديد المباشر الى حاملة الطائرات الاميركية التي كانت موجودة قرب منطقة المناورات وأمرتها بالابتعاد. لقد توقفت الطائرة الايرانية فوق الحاملة الأميركية منتظرة ردّ فعل ما، استعدت القيادة العسكرية الإيرانية في البر والبحر للرد عليه فورا "مهما كانت النتائج". لكن سرعان ما فهمت واشنطن الرسالة وأمرت "بعدم الرد"، معتبرة ذلك "استفزازاً متعمداً لن يكون بالإمكان مجاراته لعدم الاستعداد الأميركي له".
لكن واشنطن عادت وردت في قلب العاصمة الإيرانية على ما قالت مصادر إيرانية رفيعة، وذلك في إشارة الى اغتيال العالم النووي الإيراني روشن، لافتة الى أن نتائج الضغط على إيران لن تكون في مصلحة الضاغطين بشكل حتمي لأن حرب المنابع والممرات الباردة التي سادت لعقود يعمل الغرب على تسخينها بعدما لمس أن طهران غير مستعدة للمساومة على أي من حقوقها في المياه الدولية وهي بالإضافة لامتلاكها لثالث مخزون نفطي في العالم (قبل الاكتشافات الجديدة) فإنها لن ترضى بمشاركتها السيطرة على الممر الأساسي لحركة النقل الدولية وعبور نفط العالم من نقطة هي ضمن مداها الإقليمي جغرافياً.
لم يفلح أوغلو في ايصال رسالته الى حزب الله في لبنان في الاجتماع الذي جمعه بممثل الحزب النائب محمد رعد على الرغم من أنه حاول الاجتماع بالأمين العام السيد حسن نصرالله الذي رفض ذلك، لكن اوغلو كما سائر الموفدين لن يخرج من لبنان خالي الوفاض وهو قد يكون نجح في تمرير رسالة معاكسة الى حلفائه من قوى 14 آذار وغيرهم من الذين نصحوا بأن يبتعدوا حالياً عن الأحداث في سورية ولا يتلهوا بها إنما عليهم ان ينصرفوا الى ازعاج حزب الله ومعالجة موضوع سلاحه لينضم أوغلو بذلك الى النظرية الأميركية القائمة على "تفوير" المشاكل لا "تصفيرها".
تعليقات