الأسد.. خطاب الناس
الأسد.. خطاب الناس
البناء 12 كانون الثاني 2012
محمد شمس الدين
لم تصدُق توقعات المنجمين السياسيين عشية إطلالة الرئيس السوري بشار الأسد، والذين كانوا الى حين الخطاب أول من أمس متحفزين لإعلان التنحي، أو على الأقل لتسجيل تراجع الى حد الوهن حول ما كان سيطلقه، لكن الرئيس الأسد الذي اعلن وبجرأة كاملة ودفعة واحدة قرب "تحقيق الإنتصار"، فاجأ العالمين الأجنبي والعربي "الأشد عداءً وسوءاً" بحسب تعبيره، بثبات الموقف وعدم اهتزازه. بل انه ذهب باتجاه استخدام مصطلحات النصر والهزيمة التي عادة ما تدخل في قواميس الحرب، وهي باتت واضحة تجاه سورية وحلفائها في المنطقة من الأقربين والأبعدين.
بالرغم من الانتقادات التي وجهت لطول الخطاب، إلا أن معظم المحللين توقفوا عند العمق الذي خاطب فيه الرئيس الاسد شعبه والعالم، ولعلها المرة الأولى التي يُظهر فيها الرجل ملكاته القيادية وليس فقط الرئاسية، وهو بذلك قد سجل نقلة نوعية في حركته في المواجهة التي طالما تميزت بالبرودة التي تقتضيها الأساليب الدبلوماسية والعمل السياسي الذي اضطلعت فيه سورية على مدى العقود الماضية.
ما تميز به خطاب الرئيس السوري هو ذلك الإعلان عن قرب تحقيق الانتصار بحزم، الى ما قاله حول عدم تخليه عن المسؤولية، لا سيما في الأوقات الصعبة، ما "ألهب" نفوس "معارضيه" الذين أظهروا إرباكهم بشكل واضح عبر سلسلة من التصريحات والشتائم التي اطلقوها لتدل فقط على ما شعروا به من احباط، بعدما كانوا عاشوا اجواء انهم على قاب قوسين أو أدنى من دخول باب "الفتح المبين" على أجنحة طائرات القوى العسكرية الغربية التي لم تتجرأ بدورها حتى اللحظة على اتخاذ اية تدابير تتطابق مع تهديداتها، والتي آمن بها هؤلاء السذج ممن يستعدون لتولي زمام أمور الناس في غير بلد عربي وعينهم بالأساس على سورية.
لم تستطع المعارضة السورية رغم "ثقافتها" العالية أن تقرأ الخداع الأميركي والغربي الذي هو على استعداد للقتال حتى آخر سوري وربما عربي، ولكن بشرط أن لا يقدّم نقطة دم واحدة من دماء جنوده مهما كانت عوائد الحرب التي يرسلونهم اليها، وإلا فإن دافعي الضرائب في بلدانهم ستسأل عند أول منعطف أو استحقاق داخلي في تلك البلدان، أما أن يقتل جنودهم عرباً ووطنيين يدافعون عن بلدانهم فهذا ليس بالأمر المهم، وهو ما تبنته "المعارضة" المزعومة في سورية طمعاً بحصد الجوائز المرصودة لكل من يزحف أمام تحقيق المشروع المعادي في المنطقة.
ومثلما ألهبت تعبيرات الرئيس الأسد القيادية المعارضين وأفقدتهم آمالهم، فقد ألهبت بدورها مؤيديه الذين سمعوا منه خلال اليومين الماضيين كل حرص على إجراء التغييرات تحقيقاً للإصلاح الذي تعمل الحكومة على انجازه بأسرع وقت ممكن بالرغم من كل الظروف القاسية التي تعيشها تحت ضغط دولي وهجمات مسلحة، إلا أن الشعب السوري الذي لمس أن الرئيس الأسد صادق فيما يطرح، وقد خاطبه أول من أمس على "مهل" شارحاً كل حيثيات الأوضاع التي تعيشها سورية، قرر الرد امس على رهانات الأعداء بالخروج الى الساحات دعما لرئيسه واضعاً نفسه في مقدمة المواجهة حاسماً خياراته بالكامل.
"لا تراجع" و"لا تنازل"، و"لست انا من يهرب من تحمّل المسؤولية"، وصولا الى "التبشير" بقرب "تحقيق الإنتصار" واعداً بان سورية ستبقى دولة المقاومة وأرضها وظهرها الصلب، الى انتقاد الجامعة العربية وتجريدها من عروبتها بما تعلنه من مواقف وبما تظهره من آداء اقل ما يقال فيه انه "عميل"، وهو ما تؤمن به غالبية شعوب دولها، يبدو أن الرئيس الأسد واثق من نتائج ما هو بصدده، علماً أنه يتعاطى مع ما يحصل على أنه "حرب عالمية" على سورية وهي قادرة على اجتيازها.
شكل خطاب الرئيس الأسد في هذا التوقيت وبعد كل الحراك العربي والأجنبي الضربة القاضية "للمعارضة"
في الخارج والتي باتت تبحث عن مخارج لن يستطيع أحد تقديمها لها، في حين أن المفردات التي استخدمها الرئيس الأسد على مسمع المراقبين العرب الذين يستعدون لترك مهمتهم والانسحاب منها لعدم تمكنهم من تزوير الحقائق، قد كشفت أن الحكومة دخلت آخر مراحل معاركها مع "الجماعات المسلحة" وهي تتسلح بخطاب قوي وحازم استحوذ على موافقة الناس أي "الأكثرية الشعبية" السورية في مختلف المحافظات.
تعليقات