بوغدانوف.. مهمة بحجم المنطقة.. والعالم!
بوغدانوف.. مهمة بحجم المنطقة.. والعالم!
البناء 29 نيسان 2013
محمد شمس الدين
مروحة اللقاءات التي أجراها نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف في
زيارته الى لبنان لم تكن عبثية أو من فراغ، لقد أعدّت دوائر وزارته ملفاً كاملاً حول
تفاصيل التحرّك ضمن خطة عمل تتّصل بالأزمات المنتشرة على أكثر من ساحة عربية وشرق أوسطية،
لكنها تتمحور حول النتائج التي خلصت إليها الأزمة السورية بعد خطوات عدّة تم تنفيذها
على أرض المعركة في هذا البلد، والتي حققت تقدّماً ملحوظاً لقوات الجيش السوري على
أكثر من محور استراتيجي في الشمال كما في الغرب وصولا الى الجنوب، ناهيك عن العاصمة
دمشق وأريافها.
أولى هذه النتائج على الصعيد الميداني هي إرسال رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر،
لا سيما الأميركيين، أن مخططات الهجوم على دمشق ستغيّر حكماً قواعد اللعبة التي اعتمدت
منذ بدء الأزمة والى الآن، وهو الأمر الذي كانت غرف العمليات الغربية تحضر له بقوة
باعتباره سيكون الفصل في زعزعة أسس الدولة في سورية وبضربة واحدة بعدما فشلت مخططات
ضربها عبر الأطراف.
كان الروس قد أرسلوا رسائل بهذا المعنى الى الجهات الداعمة للمعارضة السورية
المسلحة وجماعاتها في الداخل السوري، غير أن التحالف الغربي – العربي مدعوماً بشكل
مباشر من «إسرائيل» خاصة في الشهور الثلاثة الأخيرة، وبعدما تحوّل الأردن إلى غرفة
العمليات الأميركية الأساسية لإدارة الحرب من هناك، استمر (التحالف) بالتحضير لشن ما
اعتبره الهجوم الحاسم والأخير على العاصمة، لكن تحرّكاً في المقابل سبق الأميركيين
وجرى من قبل الجيش السوري وحلفائه في «المحور الممانع»، فكانت ضربة ريف القصير ودحر
المسلحين ومحاصرتهم في مدينة القصير مع تسجيل عمليات نوعية في ريف دمشق الجنوبي وضربات
أخرى من النسق نفسه في الشمال، ما حقق نتائج يمكن التعويل عليها في إضفاء الجدية على
المواقف السياسية المعلنة في هذا السياق.
لم يكن التحرّك الميداني السوري الأخير سوى ترجمة حقيقية لما كانت أعلنته دول
هذا المحور عن أن الحرب في سورية لن يتم السكوت عليها، لأن أهدافها تتعدّى المعلن من
الإصلاحات النظرية التي سقطت منذ اللحظة الأولى عندما لم يتم التجاوب مع ما طرحه الرئيس
السوري بشار الأسد على هذا الصعيد، وما نتج عن الإدارة الغبية لدويلة قطر وقادتها المتضخمين،
في حين لم تعد تنفع أية عملية التفاف سعودية كالتي حصلت في لبنان أخيراً، إفساحاً في
المجال أمام متغيرات موعودة، إذ أنه في كل مرة كانت تصل فيها الأمور الى نقطة حاسمة
كان يتم الالتفاف على ذلك عبر تخفيض حدّة التوتر وتدوير الزوايا وإعادة تركيب الأمور
بطريقة «تسووية» تهدف فقط الى تجاوز الخسارة وعدم تمكين الرابح من ربحه. هذا ما جرى
على مدى أعوام طويلة لعل أبرزها محطة الحرب «الإسرائيلية» على لبنان ومقاومته في الـ
2006، وبعدها على المستوى الداخلي في 7 أيار 2008، وبروز دور الدوحة كوسيط بديل عن
الرياض اللاعب الأساسي الذي فقد نفوذه نتيجة مواقفه الحادة في قضايا كان محورها فشله
في تثبيت قيادة «ولي العهد» اللبناني سعد الحريري لإدارة مشاريعه السياسية وغيرها في
لبنان وتالياً في المنطقة.
ما وصلت إليه الأمور تولت روسيا عبر بوغدانوف وضعه في قالب سياسي دولي، أولاً
لاعتبارها جزءاً من هذا المحور الإقليمي الذي ترعاه طهران ودمشق وحلفاؤهما من القوى
على الأرض في معظم الدول المنتشرة في هذه البقعة من العالم، وثانياً لإقرار موسكو بدايةً
بأحقية وصوابية التوجّه، وتالياً بحاجتها لقيادة هذا المحور في صراع الشرق والغرب المزمن
الذي خفتت حدته لفترة من الزمن بدت فيها الأمور بيد القطب الواحد الذي أفقد العالم
صفة التوازن.
انطلق بوغدانوف في جولته الأخيرة من طهران التي لم يمض فيها أكثر من ليلة واحدة،
أي لم تتجاوز زيارته إليها الـ 24 ساعة. فالمهمة التي هو بصددها قد تم الاتفاق بشأنها
مع الإيرانيين مسبقاً ووضعت كل تفاصيلها على الطاولة، وبما في ذلك اللقاء مع الأمين
العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي زار طهران أخيراً، وانطلقت بعد زيارته عمليات
حزب الله في القصير وتوابعها وامتداداتها، في حين يقرّ الجانبان الإيراني والروسي أن
محور التحرّك يجب أن يكون لبنان، نظراً إلى ما يشكله من موقع وقوة استراتيجيتين في
اي مشروع سينطلقان فيه في المنطقة وحيال الأزمة في سورية التي هي عنوان أي تغيير مقبل
على مستوى العالم، خاصة في خضم إعادة رسم جغرافية جديدة قد ينجم عنها تبدلات خطيرة
تصبح فيها بعض الدول في خبر كان.
مهمة بوغدانوف حملت هذه العناوين وليس أقل من ذلك، فلبنان يشكّل البوابة الكبرى
على أي تغيير في سورية، والأخيرة تشكل البوابة الأكبر على أي تغيير في المنطقة وربما
في العالم بعد وزن الموقفين الروسي والصيني في قضايا الأزمات الدولية، لذا كانت هذه
المروحة من اللقاءات التي أرادت منها «الإدارة الجديدة» الانفتاح على الأطراف وإظهار
استعدادها لتقديم أقصى درجات التعاون الذي يعطي لكل ذي حق حقه، ولكن ضمن قواعد اللعبة
الجديدة التي لن تسمح لبعض المكونات الصغيرة بأن تكون عباّرة لمشاريع كبرى تستفيد منها
دول بعينها.
انطلق بوغدانوف من خطة رُسمت في دوائر القرار في «دول المحور»، وبعدما تم تنفيذ
المرحلة الأولى في شقها الميداني في سورية، وقبل تنفيذ المراحل الأخرى ما لم يحصل التغيير
المرتقب في المواقف الدولية المنتظرة، ربما قبل لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما
بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي بات بين يديه ملفاً دسماً وصلباً يستطيع البناء
عليه في عرض «مجمل ملفات المنطقة»، بموجب تفويض واضح احتفظ المفوِض فيه بكامل حقوقه..
مع الإبقاء على طريق العودة مفتوحاً.
تعليقات