عودة سعودية لتمرير المرحلة
عودة سعودية لتمرير المرحلة
البناء 8 نيسان 2013
محمد شمس الدين
اختار اللبنانيون بعد «إذن» السعودية والولايات المتحدة، أن يكون لديهم حكومة
جديدة خلال فترة وجيزة، فتوافقوا على تسمية النائب تمام سلام لتشكيلها في وقت قياسي
يتمناه الجميع، كل من زاويته ورؤيته للأوضاع التي تمرّ بها البلاد والمنطقة القريبة
من الحدود وحتى تلك البعيدة عنها.
لا ينفي أحد من الأطراف في لبنان أن ما حصل كان استجابة واضحة لطلب المملكة
الخليجية المعنية الأولى بهذا الاستحقاق، بغض النظر عن كل ما يجري بشكل مبدأي، لكن
توقيت عودة السعودية عبر المسارعة الى الإشراف على تشكيل حكومة بهدف التموضع الجديد
في لبنان، إنما ينطلق من حسابات إقليمية وضعت تفاصيلها على طاولة البحث أخيراً، وهي
تلك المتعلقة بسورية التي على ما يبدو ستدخل في مرحلة شديدة الصعوبة بعدما تهيّأ المسرح
لشن ضربات يؤمل أنها ستؤدي إلى انقلاب الصورة لمصلحة الجماعات المسلحة المدعومة من
التحالف الغربي – العربي بشكله المعروف بين قطر وفرنسا وبريطانيا إضافة الى تركيا.
لقد بقيت السعودية بالرغم من مواقفها المعلنة بعيدة عن خوض الحرب في سورية بنفسها
لاعتبارات عديدة، وكانت أوكلت أو أفسحت المجال أمام دولة قطر للتعبير عن نفسها في مسألة
إقليمية حساسة كتلك، لكنها لم تترك لها دفة القيادة ولا مرة في أي من المفاصل الأساسية
على مدى عامين من عمر الأزمة السورية، بل تركت لها الغوص في تفاصيل إدارة الحرب من
خلال غرف العمليات، في حين أن الأخيرة لجأت في غير مناسبة إلى المملكة الكبرى لاستشارتها
أو الوقوف على رأيها أو طلب تدخلها ومساعدتها في أمور تتعلق بالحرب التي يخوضها الجميع
ضد سورية، وتحديداً ضد رئيسها بشار الأسد.
غير أن السعودية التي «نأت بنفسها» عن التفاصيل أعلنت مواقفها العنيفة من الدولة
السورية، وهي أبقت على نافذتها مفتوحة لمراقبة مسارات القتال والتحوّل المأمول المرتقب
الى حين زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى «إسرائيل» والأردن، إذ عبّرت مواقفه
ومواقف وزير خارجيته جون كيري، حيال سورية، عن دخول بلاده الحرب من خلال تولي عمليات
التدريب المباشر للعناصر المسلحة والإشراف عليها تمهيداً لمعركة السيطرة على العاصمة
دمشق.
وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة إن السعودية قرّرت العودة الى إدارة الأزمة
في لبنان بشكل مباشر ووضع هذا البلد على رأس أولوياتها بعد انكفاء سُجّل على هذا الصعيد
منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011، ما اعتبرته المملكة إسقاطاً لدورها في
لبنان، وقرّرت العودة بعد اطلاعها على خطة ما سمي «سقوط الأسد» خلال الشهر الجاري أو
المقبل على أبعد تقدير، وعليه فإن لبنان يجب أن تكون أوضاعه جاهزة لمواكبة هذا الحدث
في كل الإتجاهات، وفي مقدمتها وضع المؤسسات الدستورية التي تستطيع أن تتلقف هذا الإنجاز
وتحيط به على المستوى السياسي، لأن «المستشارين» أفتوا بأن لا قدرة لدى أي فريق لبناني
على زعزعة الاستقرار الأمني، وبمعنى آخر أن «لا قدرة» لأحد على تنفيذ «انقلاب» بأي
لون من الألوان، وإلا فإن مصيره قد بات معروفاً وهو وضعه على لائحة «الإرهاب» المحلية
والعربية والدولية. وهذا ما روّجت وتروّج له قيادات لبنانية ترى أن لا مكان لأي 7 أيار
جديد نتيجة العديد من العوامل التي تم خلقها في الفترة الأخيرة خاصة لناحية التسعير
المذهبي وسط رهان على عدم مقاربته من قبل القادرين على «قلب الطاولة»، إضافة الى العوامل
الإقليمية المحيطة والتي ترى فيها نفس الجهات ما تراه في الوضع الداخلي اللبناني.
وتضيف المصادر أن اختيار سلام تمّ في هذه المرحلة لأن المطلوب تهدئة اللعب وعدم
تأجيج النار الكامنة منذ فترة تحت الرماد، لتمرير العواصف المرتقبة بحذر شديد وبحد
أدنى من الأضرار، فسقوط لبنان في دائرة العنف قد تفشل كل الخطط الموضوعة، ما يعني أن
تكليف شخص لتشكيل الحكومة العتيدة لا يعني بالضرورة إنهاء الأزمات، في حين أن سلام
«المسالم»، هو حليف فريق من اللبنانيين وهذا وحده كاف ليجعل منه خصماً للفريق الآخر
مهما حاول النأي بنفسه عن الصراعات القائمة، وبالتالي هو يعكس رأياً سياسياً يبدأ في
لبنان ولا ينتهي في السعودية التي كانت أول من سمته.
إن شعار سلام «المصلحة الوطنية» بدل «الوحدة الوطنية» الذي رفعه للحكومة التي
سيقودها في هذه المرحلة قد لا يناسب مبدأ التوافق الذي يحاول أن يدعو إليه، لأنه قد
يرى مصلحة لبنان في طريق لا يوافق عليها آخرون ما سيقضي عليها، وتدفع الأمور باتجاه
أسرع نحو الصدام، ولو استطاع الرئيس المكلف تذليل العقبات كافة من أجل تشكيل حكومته،
إلا أنها على ما يبدو لن تستطيع التوصّل إلى وضع قانون جديد للانتخابات يحفظ التوازن
بين المتخاصمين، الأمر الذي لم تستطعه الأطراف منذ ما قبل سلام الذي اختير فقط لإدارة
وتقطيع مرحلة صعبة.. بأعصاب باردة.
تعليقات