حزب الله في الميدان السوري


­­ حزب الله في الميدان السوري
البناء 25 نيسان 2013
 محمد شمس الدين

مهما كانت العناوين التي تُعطى لمشاركة حزب الله في الحرب في سورية فإنها على ما يبدو حاصلة وفقاً للضجّة التي انطلقت حولها في الآونة الأخيرة، علماً بأن الحزب لم يعلن ذلك رسمياً. لكن أمينه العام السيد حسن نصرالله أعلن أنه سيساعد القرى السورية التي يقطنها لبنانيون وسوريون من المسلمين الشيعة والذين من بينهم عدد لا بأس به ينتمي الى حزب الله، على الدفاع عن أنفسهم وبيوتهم وأعراضهم من الهجمات التي يتعرضون لها من قبل المجموعات المسلحة على خلفيات مذهبية.
«عاصفة الاستنكار» التي انطلقت ضد مشاركة الحزب في مناطق ريف القصير وصولاً ربما، الى المدينة الرئيسية والاستراتيجية في تلك المنطقة، يُنبئ بتراجع الجماعات المسلحة وتقدّم الجيش السوري والذي نقلته وسائل إعلام عدة بالصورة وعبر تصريحات لقادة من هذا الجيش، في حين أن اندحار المسلحين من المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان يفسّر استهدافهم للقرى والبلدات اللبنانية، ولا سيما مدينة الهرمل مركز القضاء التي تعرّضت لمجموعة صواريخ عشوائية لا هدف لها سوى إلحاق الخسائر والأضرار كرد فعل على ما تعرض له المسلحون هناك.
لكن من المستغرب أن يلجأ بعض الفرقاء اللبنانيين لاستنكار ما اعتبروه انخراطاً لحزب الله في المعارك داخل سورية، في حين أنهم لم يقدموا حلولاً لحوالى 20 ألفاً من المواطنين اللبنانيين – السوريين في تلك المنطقة، علماً بأنهم يعلمون مستوى المخاطر التي من الممكن أن يتعرضوا أو تعرّضوا لها بالفعل، التي قد تصل الى حدّ المجازر التي تتحكم فيها الغرائز المذهبية. لم يكن حزب الله لينتظر ما ستؤول اليه الأمور، لكنه كان مصمماً على تأمين الحماية اللازمة لهؤلاء، كما يمكن أن يقدمها لمكونات أخرى إذا ما اضطر الى ذلك أو بطلب منها لحماية نسيج بات مستهدفاً بصورة مؤكدة.
لم يستنكر المستنكرون لمشاركة الحزب في المعارك في سورية، مشاركة مئات العناصر من دول أوروبية متعددة أعلن الاتحاد الأوروبي عبر مسؤول «مكافحة الإرهاب» فيه، أنه يتم التحقيق في كيفية تجنيد هؤلاء وسفرهم الى سورية، علماً أن بعض الدول العربية لديها لجان تعمل على تجنيد المقاتلين من كل دول العالم لا سيما من أفغانستان وبعض دول شرق أوروبا، وهو ما ثبت بالدليل القاطع خلال سير العمليات العسكرية وكان آخرها الإعلان عن خطف المطرانين الأرثوذوكسيين يوحنا إبراهيم، وبولس اليازجي على يد مجموعة شيشانية. إلا أن المستنكرين الذين يتذرعون بضرورة أن ينأى لبنان بنفسه عن الأزمة السورية لاعتبارات تراعي مصالحهم السياسية وتحالفاتهم، لم يبادروا الى استنكار الدعوات التي وجهت الى إعلان «الجهاد» من لبنان ضد حزب الله، كما لم يتوانوا عن إعلان موقفهم الواضح ضد سورية ودولتها والحكم فيها، عاقدين التحالفات الداخلية ومع كل الدول التي تقاتل الرئيس بشار الأسد.
في التوازنات القائمة التي يبني عليها حزب الله استراتجيته للقتال داخل سورية، إذا صدقت الأنباء، لا تنطلق مرتكزاتها حصراً من مساعدة الأهالي وحمايتهم من عنف مذهبي قد يلحق بهم المجازر، فحزب الله على الأرجح غير خائف وإن لم يستعجل القول إنه يخوض الحرب في سورية على قاعدة تحالفه مع الدولة فيها في حربهما المشتركة، أو حرب محورهما ضد العدو «الاسرائيلي»، وأن ما يجري في هذا البلد ليس سوى حلقة في سلسلة هذه الحرب الممتدة منذ دحر «إسرائيل» من جنوب لبنان عام 2000 وما تبعه من حروب كانت سورية شريكاً اساسياً فيها، في حين يعلم الحزب جيداً أن نتائج الحرب التي تخوضها سورية ستنعكس عليه بشكل مباشر، وأنه سيكون هدفها التالي مباشرة وليس بعد وقت طويل، وقد تكون حرباً ضروساً أشرس من تلك التي خاضتها «إسرائيل» ضده لتدميره في الـ 2006، «على أمل» أن تعيد الكرة هذه المرة وتكون سورية قد سقطت في محور حلفائها الدوليين وفي المنطقة.
قواعد الاشتباك التي يراعيها حزب الله في عملياته الميدانية في المناطق السورية المعنية، ان تلك المتاخمة للحدود، أو محيط الأماكن المقدسة التي أخذ على عاتقه حمايتها لأسباب دينية، تلحظ عدم إلحاق الأذى بالمدنيين بالدرجة الأولى، وعدم السماح للجماعات المسلحة بالعودة إليها بعد طردهم منها، وضبط ممرات عبورهم، وهو الأمر الذي يفترض خططاً واضحة بالتعاون مع السلطات السورية لضمان ذلك.
يتضح من خلال هذه الصورة أن الوضع في سورية مقبل في القريب العاجل على متغيرات ميدانية واسعة النطاق قد تؤدي الى تعديل بعض المواقف الدولية الحادة لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي باتت تحضر المسرح لمفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة على قاعدة بيان جنيف، وذلك لإلزام الدولة السورية به في الحد الأدنى، خاصة إذا ما تمت سيطرة الجيش السوري بشكل أكبر على الموقف الميداني تخشى معها الأطراف الدولية والحالة هذه، من عدم قدرتها على فرض شروطها على الطاولة ما سينعكس خسارة فادحة ليس فقط على اللاعبين الدوليين، بل سيؤدي ذلك الى زوال المعارضة الخارجية بشكل كامل بعد انفراط عقد المسلحين وتقهقرهم في الداخل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار