عامان على الأزمة في سوريا.. تسليح وتسليح مضاد
عامان على الأزمة في سوريا.. تسليح وتسليح مضاد
"البناء" الإثنين 18 آذار
2013
محمد شمس الدين
ما انبرت اليه الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية في تسليح المقاتلين
السوريين وغير السوريين الذين يخوضون الحرب في سورية بـ»النيابة»، لا بدّ أنه يشكل
إعلاناً صريحاً عن الأبعاد الحقيقية لتلك الأزمة التي ستغيّر وجه المنطقة على أية نتيجة
ترسو عليها، وهو ما يتضح أيضاً من خلال مواقف الدول الحليفة لسورية، والتي تخوض معركتها
السياسية في جميع المحافل وتتبنى موقفها السياسي والعسكري في الداخل والخارج، والتي
تعبّر عن أنها لن تتخلى عنها في مواجهة الحرب الدولية التي تعصف بها تحت أي ظرف من
الظروف أو ضمن أية مشاريع للتسوية لا تتناسب عناوينها مع الاستراتيجيات المتّبعة لتلك
الدول في التعاطي مع مجمل الملفات المعنية بها في المنطقة، والتي بالتالي تشكل «قضية
واحدة».
تقول مصادر دبلوماسية في محور الممانعة، إنّ الحرب في سورية لم تكن يوماً احتجاجاً
لمعارضة في وجه سلطة، وإنْ ظهرت في بدايات التحرّك على أنها كذلك، إذ أن ما تكشفه العمليات
العسكرية للجيش تؤكد وجود أعداد كبيرة من المسلحين من جنسيات مختلفة، فيما الملاحظ
أنّ عددهم من السوريين هو أقل نسبياً، ما يشير الى أنّ غرف العمليات التي أنشئت في
أكثر من دولة من دول الجوار السوري، وتحديداً في تركيا والأردن، وتالياً لبنان، تعمل
بشكل وثيق ومنظّم وضمن آليات دقيقة على تأمين العديد والعتاد لاستمرار الحرب، التي
لم تكن لتستمر على هذا النحو لو أنّ الجيش السوري يواجه مسلحين محليّين، لا سيّما أن
الدولة في سورية ما زالت تحظى بتأييد نصف الشعب السوري على الأقل، والتي اكتسبت مزيداً
من التأييد بعدما ثبت للنصف الآخر أنّ من يقاتل في سورية ليس من السوريين، ما يضع مستقبل
البلاد بيد مجهولين.
في هذا السياق، برزت التحرّكات الأخيرة للقوى الخارجية، لا سيما الأميركية منها
على صعيد التدريب المباشر للمسلحين بهدف تسجيل نقاط إضافية على الأرض، بعد فشل هؤلاء
في تسجيل أي تقدّم على مدى سنتين من عمر الأزمة السورية، كما برزت الضغوطات الأوروبية
الأسبوع الماضي بالرغم من عدم تبنّي الاتحاد الأوروبي لقرار بحجمه حول التسليح، غير
أنّ بريطانيا وفرنسا أصرّتا على تقديم الأفضل من أنواع التسليح للمعارضة المسلحة السورية
ولو منفردتين (دولة سيادية - بحسب تعبير الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، رداً على سؤال
حول التسليح إذا لم يوافق الاتحاد على ذلك)، بغية إحراز تقدّم، وفي ذلك مراهنة كاملة
من قبل فرنسا تحديداً على الخيار العسكري وإسقاط الدولة في سورية بهذا الأسلوب، لما
يترتب عليه من آثار سورية محلية وإقليمية، ناهيك عن البُعد الدولي في لعبة المصالح
وتقاسم مناطق الثروات في المرحلة التي تلي ذلك، إذا نجح هذا الخيار. لكن في البعد الآخر
للإصرار الفرنسي على اعتماد ذلك بديلاً عن أي فكرة للحوار والحلّ السلمي، هو الالتزام
تجاه بعض العرب، وتحديداً قطر وتالياً السعودية حيث تدفعان في هذا الاتجاه، بعدما تحولت
الحرب في سورية بالنسبة إليهما الى حرب وجودية مرتبطة ببقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم
أو عدمه.
حرب دولية ـ إقليمية
وتضيف المصادر أن الخطوات الأميركية والأوروبية الأخيرة على مستوى التسليح والدعم اللوجستي المباشر للمسلحين، تؤكد هذه المرة
أن الحرب التي تخاض في سورية ليست حرب معارضة تطالب بالإصلاحات ضدّ نظام يُتّهم بشتى
أنواع الاتهامات، بل هي حرب دولية - إقليمية أطرافها شديدة الوضوح ضدّ أطراف إقليمية
أخرى، وربما دولية تفرضها تطوّرات تلك الحرب، التي بات يخشى الجميع تمدّدها وفي طليعتهم
«الدولة العبرية» التي تتهيّأ للإنقضاض في اي اتجاه في اللحظة المناسبة. إلا أنّ اليد
في تلك الحرب هي يد شباب عرب ومسلمون عمت عقولهم أفكاراً يستفيد منها الغرب وتقودها
غرف عمليات تابعة لأجهزة استخباراتية وعسكرية بريطانية وقطرية وتركية وأردنية مع تنسيق
كامل مع جهازي الاستخبارات في السعودية والولايات المتحدة، وهي توزّع المهام في ما
بينها على صعد عدّة، فمنها من يوفر الأموال، وأخرى تهتم بالدعم اللوجستي لناحية تأمين
السلاح والذخائر، ومنها من يعمل على استئجار المرتزقة وتوفير المقاتلين عبر إقامة جسور
لنقلهم من أماكن وجودهم في المغرب العربي وشمال أفريقيا، حيث استطاعت تلك الأجهزة أن
تتفادى مفاعيل ما يسمّى بـ»الربيع العربي».
في مجلس الأمن وخارجه..
وتكشف المصادر الدبلوماسية، أنّ كلّ تلك التحرّكات ترصدها أجهزة استخبارات الدول
الحليفة لسورية وفي طليعتها روسيا والصين، إذ لم تكتفيا بمتابعة الحرب الدبلوماسية
عبر أروقة مجلس الأمن وممارسة صلاحيتهما باستخدام حق النقض «الفيتو» في المراحل الأولى،
ضدّ مشاريع قرارات استهداف سورية، بل إنّ عملهما الميداني لم يكن أقلّ مما قامتا به
على ذلك الصعيد، لا سيّما بعد اجتماع مجموعة العمل الدولية في جنيف في 30 حزيران
2012 والذي لم ترق نتائجه لدول التحالف الغربي ـ العربي لناحية عدم تمكنه من إقناع
روسيا بتغيير موقفها أو حتى تليينه، خاصة لجهة القبول على الأقل بأن ترضى بتنحّي الرئيس
الاسد وفق أية شروط تراها موسكو مناسبة لها ولحلفائها، وتحفظ خروج الرئيس السوري كمخرج
متكافئ للجميع، إلا أنّ الموقف الروسي جاء صادماً ما خلق جواً من التوتر مع الولايات
المتحدة التي ذهبت بالنقاش بعيداً حول ضرورة التدخل العسكري في سورية من خارج مجلس
الأمن.
ومع هذه التطوّرات في الموقفين الأميركي و»صقري» الاتحاد الأوروبي، لم تنكفئ
روسيا عن تصعيد موقفها أيضاً بالردّ مباشرة على خطوة التسليح فأعلنت عبر رئيس دبلوماسيتها
سيرغي لافروف أنها مستعدة للذهاب بعيداً في هذه الحرب، وانها لن تتوانى عن إرسال وسائلها
الحربية لدرء أي خطر قد تشعر أنه يتهدّد الدولة السورية ورئيسه،ا وفعل ما تراه مناسباً
أمام الإصرار الدولي على متابعة الحرب ومدّها بالوسائل المطلوبة.
وتذكّر المصادر بأنّ تفعيل «تسليح» المقاتلين في سورية بدأ بالفعل بعد اجتماع
مجموعة العمل في جنيف، وأن غرف العمليات تلك أنشئت بعده أيضاً لتكون خطوة حاسمة في
عدم ترك أية فرصة للعودة الى الوراء، وهو ما تصرّ عليه تلك الدول العربية التي تتخذ
شكل رأس حربة في المشروع الدولي حول المنطقة وعلى قاعدة «نكون أو لا نكون»، وذلك بعد
فشل الحصول على قرار من مجلس الأمن والأمم المتحدة بالتدخل العسكري على غرار ما حصل
في ليبيا. وتعتبر المصادر في هذا السياق أنّ بداية المرحلة الجديدة في التورّط العسكري
كانت من خلال تنفيذ عملية تفجير مبنى الأمن القومي في 18 تموز 2012، اي بعد حوالي
15 يوماً من اجتماع مجموعة العمل، لتشكل ضربة موجعة، اعتقَد من خطط لها أنها ستشكل
نقطة التحوّل باتجاه إسقاط الدولة في سورية، لكن النتائج جاءت مغايرة لذلك تماماً،
وتلفت المصادر أيضاً الى ما سرّبته بعض وسائل الإعلام عن أنّ التحقيقات الجارية حول
التفجير، تشارك فيها أجهزة روسية، في رسالة واضحة على أن الانتقال الى «الميدان» ليس
صعباً، وهو ما تحرص موسكو دائماً على إظهاره من خلال تحريك قِطعها العسكرية البحرية
في البحر البيض المتوسط وفي المياه الدولية، وكان آخرها الأسبوع الماضي، والذي يأتي
على خلفية مجمل التحركات العسكرية للدول التي باتت تعتبر أنّ المنطقة دخلت في نطاق
«العمليات العسكرية».
الحليف الأقوى..
وليس بعيداً عن روسيا التي تعمل على استعادة ما خسره الاتحاد السوفياتي السابق
كاملاً، ولا عن الصين التي ترى أنّ ماردها الاقتصادي أصبح هدفاً للتدمير في صراع النفوذ
والثروات في لعبة الأمم، فإنّ دول «المحور الممانع» الذي نشأ على امتداد سنوات، شكلت
فيها الحروب ضدّ «إسرائيل» ونتائجها المحققة العمود الفقري بإنشائه، يبقى الحليف الأقوى
لسورية في قدرته على التحرك عندما يقتضي الأمر ذلك، وهو ما جهّز نفسه له لحظة تفجير
مبنى الأمن القومي في 18 تموز الماضي.
محصّلة الموقف كما تشير المصادر نفسها، هي انه لا يمكن تمرير أي نوع من التدخل
العسكري «غير المباشر»، بعد فشل التوصّل الى قرارات دولية بهذا الشأن، من دون احتساب
أية ردة فعل على ذلك من قبل سورية نفسها وحلفائها، ما يفتح الأفق على تكهّنات بحرب
واسعة النطاق في المنطقة ضمن التوازنات القائمة فيها حالياً، وذلك بالرغم من استبعادها
في دوائر وعدم استبعادها في دوائر أخرى.
تعليقات